من نحن

اجتماعات الدورة الخمسين للجنة الإقليمية لشرق المتوسط

يسعدني الترحيب بكم في هذا الجمع الكريم ، وأن أسجل جزيل شكري لمعالي الأخ الدكتور حسين الجزائري المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية على دعوته الكريمة لي للمشاركة بصفة مراقب في أعمال الدورة الخمسين للجنة الإقليمية لشرق المتوسط
11 ديسبمر 2020
اجتماعات الدورة الخمسين للجنة الإقليمية لشرق المتوسط

صاحب السمو الملكي الأمير طلال بن عبد العزيز
رئيس برنامج الخليج العربي لدعم منظمات الأمم المتحدة الإنمائية

اجتماعات
الدورة الخمسين للجنة الإقليمية لشرق المتوسط
منظمة الصحة العالمية
المكتب الإقليمي لإقليم شرق المتوسط

القاهرة
الاثنين 29 سبتمبر 2003

بسم الله الرحمن الرحيم

السيدات والسادة :

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ,,

يسعدني الترحيب بكم في هذا الجمع الكريم ، وأن أسجل جزيل شكري لمعالي الأخ الدكتور حسين الجزائري المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية على دعوته الكريمة لي للمشاركة بصفة مراقب في أعمال الدورة الخمسين للجنة الإقليمية لشرق المتوسط . فدعوته وجدت مني الترحيب والتقدير، ليس فقط لأنها تعكس أبعاد العلاقة الشخصية المتجددة ، أو التواصل القائم بين المكتب الإقليمي وبين (أجفند) في شأن توسيع آفاق التعاون ، ولكن أيضاً لأهمية هذه الدورة من حيث القضايا والموضوعات المطروحة فيها، ومن حيث تزامنها مع مرحلة دقيقة وحرجة يمر بها العالم في جانب الصحة ، ولكون الاجتماع يتضمن الاحتفال بالدورة الخمسين للجنة الإقليمية التي بدأت في مصر عام 1949، وما يعني ذلك من وقفة للتقويم والقياس وتحديد الأطر الاستراتيجية والتوجهات المستقبلية.

السيدات والسادة :

لابد من الإشارة إلى أن التعاون المثمر الذي بدأ في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي في مجالات التنمية الصحية ولا يزال مستمراً بين (أجفند) ومنظمة الصحة العالمية قد حقق ما يبعث على الرضا والثقة في مستقبل هذا التعاون الذي يتخذ الأولوية المتقدمة في أجندتنا التنموية منذ تأسيس برنامج الخليج العربي لدعم منظمات الأمم المتحدة الإنمائية . لقد بلغ عدد مشروعات الصحة العالمية التي أسهم (أجفند) في تمويلها ودعمها 77 مشروعاً ، فمن التنسيق في الإسهام في تمويل المشروعات الصحية الضخمة التي قادتها منظمة الصحة العالمية في الثمانينيات لإنتاج اللقاحات وتحصين مئات الملايين من الأطفال في الدول النامية ، والترويج لقضايا الإصحاح وحماية البيئة إلى التعاون في مشروعات متكاملة في حقبة التسعينيات مثل مشروع صحة الأسرة الخليجية ومشروع صحة الأسرة العربية ، ثم إلى التفاهم بشأن أخطر التحديات الصحية التي تواجه الإنسان في القرن الحادي والعشرين وأقصد بذلك مرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) والأمراض الأخرى السارية والمستوطنة في بعض دول العالم وأقاليمه ، مثل الملاريا .

وإنني إذ أنظر اليوم إلى مسيرة التعاون بين (أجفند) ومنظمة الصحة العالمية أرى سجلاً مشرفاً مبشراً بآفاق جديدة لمسنا إرهاصاتها في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة للألفية الثالثة ، ونرى ملامحها في تفاصيل تقرير الدكتور حسين الجزائري لهذه الدورة ، وكذلك في القواسم المشتركة بين توجهات المكتب الإقليمي لإقليم شرق المتوسط وبين الاستراتيجية التمويلية لـ (أجفند).

السيدات والسادة :

إذا كان منسوب الخيارات نحو حياة أفضل في مجتمع ما يتوقف على جملة من المعايير، ويتناسب وامتلاك أفراد المجتمع عدداً من المقومات فإن الصحة تأتي في طليعة هذه المقومات ، ذلك أن المجتمع المحصن صحياً هو الأوفر حظاً في استشراف المستقبل والحصول على التعليم الجيد الفعال ، والمشاركة السياسية وتبني الرؤية الواضحة للانسجام مع العصر وتغيراته .

ومن هنا كانت الصحة من أهم حقوق الإنسان. غير أن الإحصاءات المخيفة عن ضحايا الأوبئة ، والتقديرات المحذرة من تنامي الوفيات من جرّاء الإيدز والأمراض الأخرى المنتشرة في الدول النامية ، والأمراض التاريخية التي بدأت تعود كالحمى الصفراء والسل ، والظواهر المرضية الجديدة مثل سارس ، والخطر الجسيم الذي تتعرض له البيئة ، كل ذلك يكشف أن الصحة بوصفها حقاً أصيلاً من حقوق الإنسان تحتاج إلى كثير من الاهتمام وتعاضد الجهود لسد الثغرات .

وفي هذا الصدد أشيد بإكبار بالدور الكبير والجهد الذي تقوم به منظمة الصحة العالمية ، والذي يستدعي الدعم بجانبيه المعنوي والمادي ، أي الإرادة السياسية من قبل الدول المستفيدة، والالتزام من الجهات المانحة في تمويل مشروعاتها المجدولة والطارئة .

فعلى سبيل المثال أرى أن خطة المنظمة لإنتاج لقاحات جديدة مضادة لمرض الإيدز سوف تطرح بحلول عام 2005 ليستفيد منها نحو 3 ملايين شخص في البلدان النامية تتطلب خطة دولية موازية لتوفير الأموال اللازمة لتحقيق هذا الحلم .

وأما جهد المنظمة لنشر ثقافة التحرر من التدخين، التي تصطدم برغبات الشركات صانعة التبغ فيجب الإصرار عليه، مع ضرورة أن يواكبه دور سياسي وتوعية متخصصة من قبل الحكومات، فتلك معركة حقيقية وقودها البشر لأن عدد ضحايا التدخين سيزداد بحلول عام 2020 ليصل إلى أكثر من 10 ملايين حالة وفاة، منهم 7 ملايين في الدول النامية.

السيدات والسادة :

صحيح أن الإرهاب خطر يهدد استقرار المجتمعات، والعنف لغة كريهة يجب أن يرصد له العالم من الجهد والموارد ما يوقفه، ولكن في الوقت نفسه لنا أن نتساءل أليست مهددات الصحة إرهاباً من نوع آخر؟ فإذا كان العنف سفكاً بيّناً للدم وإزهاقاً لأرواح الأبرياء وهدماً لمكتسبات الشعوب وإنجازات حضارة البشر، أليس المرض قاتلاً صامتاً وهو يفتك بالملايين من الناس ، ويدفع ملايين أخرى للعيش في هذه الحياة .

وبالتالي لو حشد العالم لمكافحة المرض وتحسين الأوضاع وتقليص الفقر أقل من نصف ما يخصصه لمطاردة شبح الإرهاب لكان البشر أفضل حالاً ، ذلك أن التباين الصارخ والمستفز الذي يسود عالمنا هو ما يغذي الإرهاب ويزكي ناره .

ولقد كان من مظاهر هذا التباين ـ الذي طغى عليه بوضوح تغليب المصالح ـ ذلك النزاع الذي شهدته أروقة منظمة التجارة العالمية في أكثر من مؤتمر ومحفل حول تسهيل توفير أدوية زهيدة الكلفة للفقراء، وأخيراً وبعد مساجلات طويلة امتدت شهوراً خرج إلى النور الاتفاق الذي يتيح للدول الفقيرة غير القادرة على تصنيع الأدوية محلياً تجاوز عقبة الملكية الخاصة للشركات الدولية واستيراد أدوية بديلة أرخص لمواجهة أوبئة خطيرة وأمراض مميتة .

وبالتأكيد فإن هذا الاتفاق هو انتصار يحسب لمنظمة التجارة العالمية لأنه يخفف من مخاوف الدول النامية وتوجساتها نحو هذه المنظمة واتهامها بأنها آلية بيد الأقوياء لفرض رؤاهم وتحقيق رغباتهم التي تصطدم بمصالح سواد البشر وحقهم في الحياة الكريمة.

ونحن نضم صوتنا إلى صوت منظمة الصحة العالمية وندعو إلى أن يكون تنفيذ هذا الاتفاق في أسرع وقت ممكن نظراً لأهمية الاحتياجات الصحية في الدول الأكثر فقراً.

السيدات والسادة :

برغم حقائق الواقع على الأرض التي تكتسي ألواناً كالحة إلا أننا نغلب التفاؤل على التشاؤم والرؤية المشرقة على السوداوية ، ودائماً نؤمن بأن هذه الأرض الجميلة التي جعلنا الله مستخلفين فيها تتسع لنا جميعاً إذا نحن أحسنا التدبير والتدبر ، فما يحتاجه العالم اليوم هو أنسنة السياسة .

وفي الأسبوع الماضي لبينا الدعوة التي وجهت لنا لحضور اجتماع محافظي البنك وصندوق النقد الدوليين بدبي وقد كان ذلك الحدث التاريخي فرصة للوقوف على واقع التنمية الدولية ومستقبلها ، وحجم التعاون المطلوب لتكون التنمية متوازنة وتندفع في مسارها الصحيح وإلا فستزداد الهوة اتساعاً وعمقاً وستبرز التناقضات أكثر ويصبح البشر منقسمين بين من يهدر طاقات العالم وموارده الوفيرة في قتال طواحين الهواء وبين من يشكو ضيق الفرص وقلة الموارد وينوء بأعباء الحياة ومشكلاتها.

السيدات والسادة :

أود أن أغتنم هذه المناسبة المهمة لأعبر لكم عن موضوع يشغل البال ويتعلق بمهمتي كمبعوث دولي خاص لمنظمة اليونسكو للمياه ومع علمي المسبق أن للمياه هيئاتها ومؤسساتها كما أن للصحة منظمتها ، إلا أنه لا يمكن الحديث عن الصحة دون الحديث عن مياه صالحة للشرب ، ومن هنا رأيت أن أطلعكم على إحصاءات مذهلة ففي عالمنا اليوم نحو 1.1 مليار شخص لا يجدون إمدادات المياه الصالحة للاستعمال، وأكثر من ملياري شخص محرومون من الصرف الصحي الملائم ، وتأتي الأمراض المرتبطة بالمياه ضمن الأسباب الأكثر شيوعاً للمرض والوفاة ، والفقراء في البلدان النامية هم الذين يصابون بهذه الأمراض بالدرجة الأولى . وتعتبر منطقة الشرق الأوسط والدول العربية فيها بصفة خاصة ، من أكثر مناطق العالم معاناة من مشكلة المياه سواء كان فيها أنهار أو لم يكن ، فالدول التي تعتمد على الأنهار تحتاج إلى علاقات قوية بينها ليس فقط على المستوى السياسي لأن السياسة متقلبة بطبيعتها، ولكن أيضاً على صعيد الروابط الاقتصادية والاجتماعية والمشروعات المشتركة التي تخلق مصالح متبادلة بين دول المنبع ودول المصب ، وليس هذا هو الوضع الآن في منطقة الشرق الأوسط، الأمر الذي يجعل دول المصب في حالة قلق مستمر لأن منابع المياه التي تعتمد عليها حاجياتها تقع في دول أخرى، وما لم تنشأ علاقات حسن جوار وتفاهم وعدالة في توزيع المياه تحاشياً لحدوث ما لا يحمد عقباه من مشاكل وصراعات فإن هذه الدول المتجاورة ستبقى كمن يجلس على فوهة بركان يمكن أن يثور في أي لحظة وعندها سيكون من الصعب السيطرة عليه، أما الدول التي لا تجري فيها أنهار فالمصدر الأساسي للمياه فيها ناضب بطبيعته وهو المياه الجوفية، ولذلك فهي تواجه مشكلة أكبر، وتحتاج إلى الكثير من الحكمة في استغلال ما يتوفر لديها من هذه المياه، وكانت هذه المشكلة موضع اهتمامي لفترة طويلة وسبق أن نصحت بعدم تبديد مصادر المياه المحدودة في زراعة محاصيل تستهلك قسماً كبيراً منها الأمر الذي يجعل كلفتها الحقيقية باهظة عندما نتدبر الأمر، ونحسب هذه الكلفة بحساب ما يفقده الناس من مياه تشتد حاجتهم إليها، ولا ننسى أن إيجاد مصادر جديدة للمياه في هذه الدول اعتماداً على التكنولوجيا الحديثة لا يزال صعب المنال، فتكلفة تحلية المياه لا تزال مرتفعة إلى درجة تجعل اللجوء إليها سلوكاً غير رشيد من الناحية الاقتصادية، كما أن اللجوء إلى هذه الوسيلة ينطوي على مخاطر بيئية يمكن أن تهدد صحة البشر.

لا أريد أن أطيل عليكم فأعرض أبعاد مشكلة كبيرة تؤرقني منذ وقت طويل، وأحمل همومها معي الآن أينما ذهبت بحكم مهمتي كمبعوث دولي خاص لليونسكو للمياه، لكني أود أن ألفت النظر إلى أن مشكلة المياه سوف تصل إلى مرحلة الخطر قبل انتهاء الربع الأول من القرن الجاري بسبب زيادة السكان التي لا يواكبها نمو في مصادر المياه أو تغيير ملموس في طرق الزراعة. وإذا كانت البلاد التي لا توجد بها الأنهار هي الأكثر تضرراً فهذا يدفعنا إلى التفكير بحلول مبتكرة وغير تقليدية، فعلى سبيل المثال يجب التفكير بتهجير السكان من مكان إلى آخر داخل بعض الدول، أو نقلهم (لا سمح الله) من بلد إلى آخر بكل ما ينطوي عليه ذلك من معاناة ومشكلات سياسية واجتماعية ومالية.

ومن هذا المنبر - أيها السيدات والسادة – أكرر تحذيري من هول هذه المشكلة، وما لم نسابق الزمن لمعالجتها فالخطر قادم لا محاله وساعتئذٍ سنكتوي كلنا بنارها، وعندها لن ينفع الندم .

السيدات والسادة :

حتى يكون الإنسان جديراً بالمسؤولية التي أوكلها الله إليه في إعمار الأرض لا بد أن نوجد للأخلاق مساحة أكبر في حياتنا، وأن يصبح التسامح شعاراً مشتركاً. فالمعذبون في الأرض ليسو هم فقط الذين حرموا أريج الحرية والذين تتغول على حقوقهم الديكتاتوريات وأعداء التغيير، ولكن هم في المقام الأول العاجزون عن الاختيار بسبب المرض والفقر واختلال الموازين .

ولذلك فإننا من هذا المنبر الأممي ندعو إلى التفاته حقيقية إلى الأوضاع الصحية المتردية في العالم بصورة عامة حتى تكون الصحة حقاً إنسانياً وليس سلعة يحصل عليها القادرون على سداد كلفتها الباهظة، ولاسيما في البلدان الأقل نمواً عامة، وفي فلسطين خاصة حيث يعاني الشعب الفلسطيني الصابر من أهوال الاحتلال الإسرائيلي في ظل عجز تام عن تلبية احتياجات الضرورات الصحية.

كما ندعو الأمم المتحدة ومنظماتها وفي مقدمتها منظمة الصحة العالمية إلى وضع الشعب العراقي ضمن الأولويات والقضايا العاجلة، ذلك أن الظروف التي يمر بها إخواننا في العراق حرجة بكل المقاييس ويحتاجون إلى المساندة والعون لإعادة مقومات البنية التحتية لقطاع الصحة ورعاية الطفولة وإجراء مسوح حول المضاعفات الصحية للأسلحة غير التقليدية التي استخدمت في الحرب .

ختاماً شكراً لكم جميعاً ، ونرجو لأعمال هذه الدورة النجاح .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ,,