كلمة
صاحب السمو الملكي الأمير طلال بن عبد العزيز
رئيس برنامج الخليج العربي
لدعم منظمات الأمم المتحدة الإنمائية
اللقاء العلمي السادس للجمعية السعودية لطب الاسرة والمجتمع
الرياض
20 ــــ 22 أكتوبر 2003
بسم الله الرحمن الرحيم
أصحاب المعالي والسعادة ,،
الاخوة والأخوات ،,
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،,
يسرني أن يتجدد لقاؤنا مع انعقاد اللقاء العلمي السادس، هذه المناسبة التي أصبحت طابعاً مميزاً للجمعية السعودية لطب الاسرة والمجتمع ، ومعبراً عن حيويتها وحضورها الفاعل . فهذه الجمعية باسهاماتها العديدة ، ومشاركاتها وتأثيراتها الإيجابية ، وامتداد فروعها وانتشارها في مناطق المملكة ومدنها ، تعكس الدور الحقيقي المتوقع من منظمات المجتمع المدني في تقاسم الاعباء والمسؤوليات مع الحكومة ممثلة في أجهزتها الرسمية .
وإذا كان العمل الأهلي المنظم مطلوباً في كل القطاعات والميادين فإنه في مجال الصحة أكثر إلحاحاً ، ذلك أن الصحة هي ركيزة كل تنمية واساسها . والجمعية السعودية لطب الاسرة والمجتمع تسهم بدور كبير في هذا المنحى بماتقوم به من نشاطات تعمق الثقافة الصحية وتنشرها .
و اللقاء العلمي تتبناه الجمعية وتحرص على تنظيمه كل عام هو سنه حميدة نأمل أن تاخذ بها الجمعيات الأخر ، لما توفره من فرص لتجديد المعارف ، وتقويم للأداء ، ومراجعة لمنهجية العمل وأساليب التنفيذ ، وما تتيحه من وقفة متأنية لوضع الخطط والسياسات والبرامج. فإذا كان التخطيط المدروس ضرورة حتمية لتحقيق الانجازات المستهدفة فإن التقييم المؤسس على الشفافية والوضوح ـ خاصة في ما يتصل بالدعم المالي الذي تتلقاه ـ والأخذ بجديد العصر والنقد البناء كلها عوامل لا تقل أهمية عن التخطيط ومتطلباته ومدخلاته .
وتزامن هذا اللقاء الذي يعقد بعنوان (التعليم الطبي) مع مرور عشر سنوات على تأسيس الجمعية يؤكد أهمية تلك المعاني التي ـ بالضرورة ـ تترجم في استراتيجية واضحة تأخذ في الحسبان الظروف والمستجدات التي تشهدها المنطقة والعالم وأهمية أن تكون استجابة قوى المجتمع المدني لهذه التغيرات بالطرق المناسبة التي تزيد ثقة الدولة فيها وتزيل الشبهة عن نشاطاتها ، الأمر الذي يعين على إقامة علاقات متوازنة مع الجمعيات المماثلة ومع الأجهزة والمنظمات المعنية في الداخل والخارج .
الأخوة والأخوات :
من واقع متابعتنا ـ في برنامج الخليج العربي ( أجفند ) لشأن التنمية البشرية المستدامة ، وعلاقاتنا بالمنظمات الدولية والإقليمية المعنية بالصحة وجدنا أن تعميم الرعاية الصحية الأولية ، بالتركيز على مفهوم صحة الاسرة والمجتمع ، ورفع كفاءة العاملين فيها بالتدريب وصقل الخبرات وتطوير المهارات، وتوسيع مظلتها لتغطي الشرائح الضعيفة في المجتمع ، هو أقصر الطرق وأكثرها موثوقية للوصول إلى التنمية الصحية المرجوة.
ولكن للأسف ، لا يزال كثير من الدول النامية لا تعطي الرعاية الصحية الأولية حقها في خطط التنمية وبرامج القطاعات الصحية . ومن السلبيات الواضحة لهذا التجاهل أو الإغفال أن المردود النوعي لا يتناسب والحصص الضخمة التي ترصد في ميزانيات قطاع الصحة ، وتبقى شريحة الفقراء مهمشة حيث كلفة الحصول على الخدمات الصحية باهظة ومرهقة. وبذلك يفقد قطاع عريض في المجتمع أهم الحقوق التي كفلتها الشرائع والأنظمة .
وفي ظل هذا المنظور غير المتوازن للتنمية الصحية يتم تغييب بعد آخر مهم جداً، وهو برامج الوقاية . ولا شك أن الصحة الوقائية جزء رئيس في الرعاية الصحية الأولية، بل هي محور الحركة في قطاع الصحة بالنسبة لمجتمع يستشرف المستقبل وينشد إعداد أجيال لغد أفضل . ولذلك فإن توجهنا في ( أجفند ) والمؤسسات التنموية الأخرى التي نتولاها هو التركيز على البعد الوقائي في الرعاية الصحية الأولية .
ومن هنا كان تبنينا دعم الجهود التي تبذلها هذه الجمعية ونفر كريم من أبناء الوطن لمكافحة أمراض الدم الوراثية التي تنتشر بصورة مقلقة في بعض مناطق المملكة. وكما تعلمون فإن المساعي مستمرة بالتواصل مع أصحاب القرار لاستصدار إلزامية الفحص الطبي قبل الزواج كونه الوسيلة الوحيدة الناجعة للتصدي لهذه الأمراض ووقف انتشارها .
وعلى الرغم من أن التوعية بخطورة أمراض الدم الوراثية ، وتحديداً الثلاسيميا والأنيميا المنجلية ، تتم بصورة باعثة على الرضا، ووسائل الإعلام تلفت الانظار باستمرار ، إلا أن المخاوف تتزايد من تطورات هذه الأمراض الفتاكة المعطلة للطاقات والقدرات المهدرة لمبالغ ضخمة في علاج لا طائل من ورائه . فالأطباء المختصون يؤكدون أن المملكة تتصدر دول العالم في انتشار هذه الأمراض ، ويحذرون بشدة من التباطؤ في إقرار إلزامية الفحص قبل الزواج ذلك أن كل يوم يمر دون اعتماد هذا الاسلوب الوقائي الناجع المجرب في عدد من الدول التي استطاعت السيطرة على الظاهرة والقضاء عليها تماماً يعني تفاقم الأوضاع بولادة 12 طفلاً مصاباً يومياً ومئات من حاملي مسببات المرض ودخول أسر عديدة في دوامة لانهاية لها من المعاناة حيث لا علاج معروفاً لهذه الأمراض حتى الآن .
الأخوة والأخوات :
تعلمون أن الخصخصة التي تعد من أبرز سمات هذا العصر أصبحت تفرض نفسها في قطاع الصحة . وبعيداً عن الطروحات المتباينة التي لها وجاهتها حول هذا المفهوم فإننا نقول : إذا كان لا بد من الخصخصة في هذا القطاع الإنساني فلنوجه جهودنا لئلا تكون خصخصة بلا قلب ، بمعنى الغول الاقتصادي الذي يحوز كل شيىء ويلتهم بلا رحمة ـ ولكن الخصخصة المتعقلة التي توازن بين الاحتياجات المجتمعية والضرورات الاقتصادية . وفي تقديرنا أن ذلك يتحقق بتطوير رؤانا واستحضار المفهوم الواسع للخدمة الصحية والطبية بما يكرس القيم الأخلاقية والإنسانية ويرسخها بعيداً عن هيمنة عقلية الربح والخسارة بحيث لا تصبح الخدمة الصحية سلعة يحصل عليها فقط القادرون على الدفع ، فالمستهدف هو الإنسان بوصفه رأس المال الأغلى والرصيد المتجدد . ففي حومة الخصخصة لاينبغي أن نهمل الفقراء فتضيع حقوقهم. ولذلك لا بد أن تلتزم الدولة بتوفير الخدمة لغير القادرين .
وإذا كان من أهم مظاهر الخصخصة في هذا القطاع رواج سوق التأمين الطبي فإننا نحتاج إلى ضبط هذه السوق من الانفلات ومن طغيان المفهوم التجاري الصرف . كما نحتاج إلى التوقف عند الرؤى النقدية التي يطرحها بعض المختصين بهدف تطوير نظم التأمين ولوائحه حتى لا تكون البلاد حقل تجارب لشركات التأمين التي لا تمتلك مقومات التنافس الذي يحقق الجودة وييسر الحصول على الخدمة.
الأخوات والأخوة :
لعل مما قد يسهم في إيجاد التوازن المطلوب الذي أشرنا إليه، ويخفف بعض الانعكاسات السلبية من مضاعفات الخصخصة أن مجتمعنا يشهد تصاعداً لدور القوى المدنية في مجالات تقديم الخدمات الصحية والطبية ، و بروز أكثر من جمعية أهلية تقدم خدمات تخصصية زهيدة الكلفة ، لا سيما لذوي الاحتياجات الخاصة ، وهناك نشاط تثقيفي واضح تقوده بعض الجهات الطبية .
ويسعدني أن أشيد في هذا الصدد بمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الابحاث وما يضلطلع به من دور في ترسيخ قيم العمل الأهلي الطوعي في مجال الصحة، وقد أعلن مؤخراً تأسيس برنامج وطني للتثقيف الصحي وتنمية الوقاية الصحية الذاتية ، وهذا النشاط امتداد لعدد من المبادرات أطلقها ( التخصصي) ومن بينها إنشاء مركز لعلاج الصرع واستقطاب المتطوعين للتوعية بهذا المرض . وقد استحق هذا المشروع الفوز بجائزة ( أجفند) العالمية عام 2001 م لتميزه ورياديته .
في اعتقادنا أن مثل هذه المبادرات تعكس مدى العلاقة التبادلية بين المجتمع ومؤسساته، ولذلك فهي مطلوبة من المؤسسات التعليمية ليس فقط لتكون برامج موسمية ومظاهر احتفالية ولكن لتصبح جزءاً من رسالتها وفي صميم المناهج الدراسية .
الأخوة والأخوات :
إن تطور الحضارات إنجاز مشترك يسهم فيه البشر بمختلف ألوانهم وثقافاتهم وعقائدهم، وعليه فإن المكاسب التي حققتها الجمعية والنشاطات التي أصبحت عنواناً لها هي حصيلة جهود عدد من الأوفياء المتفانين في عمل الخير وخدمة المجتمع. فلا شك أن العرفان بجهود هؤلاء هو سلوك حضاري، وكذلك فإن تكريم طيب الذكر الدكتور توفيق التميمي في هذه المناسبة هو تأكيد لدوره اللافت في تركيز دعائم طب الأسرة والمجتمع في المملكة ، فهو أول عميد كلية طب تبنى إنشاء قسم لطب الأسرة والمجتمع عام 1398 هـ ، وهو أيضاَ مؤسس برنامج طب الأسرة عام 1402 هـ . ورجل ندين له بثمرات صدق توجهه ونفاذ بصيرته يستحق من الجميع التقدير.
ختاماً أرجو لهذا الملتقى ونشاطاته النجاح ، وللجمعية السعودية لطب الاسرة والمجتمع التقدم المطرد .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ,,