من نحن

المنتدى العربي الإقليمي لمنظمات المجتمع المدني

يطيب لي أن أعبر عن خالص الشكر وأعمقه لجلالة الملك محمد السادس عاهل المملكة المغربية الشقيقة على دعوته الكريمة لنا لحضور هذا المنتدى الإقليمي العربي لمنظمات المجتمع المدني حول الطفولة
11 ديسبمر 2020
المنتدى العربي الإقليمي لمنظمات المجتمع المدني

كلمة
صاحب السمو الملكي
الأمير طلال بن عبد العزيز
رئيس برنامج الخليج العربي لدعم منظمات الأمم المتحدة الإنمائية

المنتدى العربي الإقليمي لمنظمات
المجتمع المدني الرباط

15-19 فبراير 2001

صاحب السمو الملكي الأمير رشيد بن الحسن

صاحبة السمو الملكي الأميرة للا مريم

صاحب الدولة الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي رئيس وزراء المملكة المغربية

أصحاب المعالي والسعادة

السيدات والسادة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

يطيب لي أن أعبر عن خالص الشكر وأعمقه لجلالة الملك محمد السادس عاهل المملكة المغربية الشقيقة على دعوته الكريمة لنا لحضور هذا المنتدى الإقليمي العربي لمنظمات المجتمع المدني حول الطفولة الذي يُعقد تحت رعاية جلالته على هذه الأرض الطيبة التي تشهد تجربة متميزة ومبشرة في ترسيخ الديمقراطية ودعائم المجتمع المدني مما يدعم التفاؤل في مستقبل مشرق لما أود أن أطلق عليه الديمقراطية العربية. ويسعدني كثيراً متابعة هذا التطور الإيجابي الذي يتيح مجالاً أرحب لجهود منظمات المجتمع المدني، وفرصة أفضل لها للارتقاء بنشاطاتها في مختلف المجالات، ومن بينها بل في القلب منها مجال رعاية الطفولة وحمايتها

إن تحقيق النهضة التي نأملها في مجال الطفولة إنما تقتضي تقييم الإنجازات التي تمت منذ أن باتت قضايا الطفل مطروحة على المجتمع المدني بكل هيئاته ومنظماته في نهاية القرن التاسع عشر، وحتى العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين، تلك العقود التي شهدت تنامي العمل العربي من أجل الطفولة حيث شرعت العديد من الدول العربية في إعداد برامج وخطط لهذا الغرض، خاصة بعد تأسيس المجلس العربي للطفولة والتنمية ، وانعقاد مؤتمر القمة العالمي للطفل في مقر منظمة الأمم المتحدة في نيويورك عام 1990

إن هذا العمل العربي بل وكل عمل آخر يحتاج إلى تقويم موضوعي في مثل هذه المراحل توطئة لدفعه خطوات أخرى إلى الأمام. ونتوقع بإذنه تعالى وبقدر كبير من التفاؤل أن يقوم المنتدى بدور رئيسي في هذا التقويم، في إطار قراءة شاملة لواقع الطفل العربي سعياً إلى تطوير أطر العمل وتحديد الأولويات وسط تحديات كبيرة تواجهنا جميعاً، وباعتباره فرصة لمناقشة المشكلات التي تعرقل مسيرة ونمو وتطوير هذه المنظمات والعقبات التي تعترض عملها واقتراح حلول عملية لها في ضوء التجارب والخبرات المقارنة ، وأن يكون هذا المنتدى نقطة انطلاق جديدة لجهود أكبر في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين ، وقفزة مطلوبة لخلق حركة اجتماعية واسعة معنية بقضايا الطفولة، وأن يخرج برؤية أكثر شمولاً وتصور أكبر وضوحا تترجمه برامج قابلة للتنفيذ وخطط عملية محددة ينهض بها القطاع الخاص والمؤسسات الأكاديمية والبحثية إلى جانب الحكومات ومنظمات المجتمع المدني.

إن العلاقة بين الحكومة والمجتمع المدني في كل بلد عربي هي محور الارتكاز وأساس الانطلاق إلى آفاق أرحب ، ولكن مما يثير الأسف أن هذه العلاقة هي على غير ما ينبغي أن تكون عليه في بعض البلاد العربية ، حيث الخلاف والتنازع بدلاً من التعاون والتنسيق اللذين يمثل مزيجهما أفضل وقود للقاطرة التي نطمح لأن تشد وراءها الحركة الاجتماعية المعنية بالإنسان بوجه عام وبالطفولة بوجه خاص، والتي نأمل في بنائها على امتداد وطننا العربي الكبير. وليكن هذا المنتدى سباقاً إلى تضمين نتائجه في توصيات محددة نرفعها إلى حكوماتنا في شأن التعاون والتنسيق بينها وبين المجتمع المدني المعني بهذا الشأن، على أن تكون هذه توصيات عملية تفصيلية واضحة في جزئياتها وآليات تنفيذها، وبعيدة عن العبارات العامة والمقولات المرسلة والصيغ الإنشائية

ولنأخذ في اعتبارنا قرب موعد اجتماع الدورة الخاصة للجمعية العامة للأمم المتحدة المعنية بالأطفال تحت شعار "عالم جدير بالأطفال" في شهر سبتمبر القادم. ولا شك إن الإعداد لهذا الاجتماع الذي ستجدد فيه دول العالم التزاماتها بتهيئة ظروف أفضل للأطفال، يمكن أن يكون مناسبة للتنسيق بين الحكومات ومنظمات المجتمع المدني في بلادنا العربية . إلا أن التنسيق الذي ننشده يجب أن يكون مستمراً منتظماً ولا يرتبط فقط بالمناسبات . وإنني لعلى ثقة في أن ديمومة مثل هذا التنسيق ستدفع قضية الطفولة قدماً . وأصارحكم بأنني لا أجد مبررا لضعف هذا التنسيق في عدد من البلاد العربية وغيابه تماماً في العدد الأكبر منها

إنني أعرف بطبيعة الحال أن معظم الحكومات العربية تحمل شكوكاً بهذا القدر أو ذلك في المجتمع المدني ، أو على الأقل قد ينتابها عدم ثقة فيه على نحو يؤدي إلى إغفالها الدور الأساسي الذي يستطيع هذا المجتمع أن يؤديه في تحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية . وأرجو ألا يمر وقت طويل إلى أن تدرك الدول العربية جميعها أن المجتمع المدني ليس في تناقض مع الحكومات . فهذا المجتمع ينتهي حيث يبدأ نطاق النظام السياسي . وهذا المجتمع ليس معنياً بسلطة الدولة والتنافس عليها أو الصراع من أجلها

وإذا فعل أي قطاع من المجتمع المدني ذلك فهو يفقد نفسه ويصبح جزءاً من الجماعة السياسية . ولا أقصد بذلك عدم وجود تداخل في بعض الأحيان ، ولكنه تداخل محمود يعبر عن تكامل دور كل من الحكومة والمجتمع المدني. كما لا أنفي حدوث نزاعات غير محمودة أحياناً، وخصوصاً في حالة منظمات المجتمع المدني المعنية بحقوق الإنسان نتيجة للصلة الوثيقة بين هذه الحقوق والديمقراطية وهذه حالة محدودة حجماً ونوعاً ، ومع ذلك يظل لزاما على المجتمع المدني ، مثلما هو مطلوب من الحكومات إدراك الأهمية القصوى للتنسيق المتبادل والتعاون الوثيق بينهما

إن المجتمع المدني لا يناصب الحكومات العداء وليس قطباً مضاداً لها، ولو كان كذلك ما أيدناه وما رعينا قضاياه وما تبنينا همومه ومشكلاته. فهو الذي يُساندها في العمل من أجل التنمية والعدالة، ويكمل دورها ويتكامل معه، ويرفع عن كاهلها بعض الأعباء التي تنوء بها وترهقها من أمرها عسراً، ويسد فراغا قد يترتب على انسحابها بدرجة أو بأخرى من بعض مناحي الحياة في المجال العام في إطار ما قد ترسمه من برامج الإصلاح الاقتصادي التي تتضمن خفض النفقات الحكومية أو ترشيدها

والمجتمع المدني هو الذراع الأيمن للحكومات ليس فقط في عملية التنمية ولكن أيضاً في السعي إلى إشراك مختلف فئات المجتمع في هذه العملية وعدم ترك أحد خارجها نهباً للعوز والحرمان ، بما يسهم به من دور فاعل بالمجتمع في مختلف ميادين العمل الخيري والثقافي والبيئي والاجتماعي والتعليمي ومحو الأمية إلى غير ذلك من المجالات . فيقيني أنه لا تنمية بشرية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية بدون المجتمع المدني، ولا قيام لهذه التنمية إلا على أسس ديمقراطية سليمة نستقي مبادئها من شريعتنا الإسلامية السمحاء القائمة في جوهرها على الشورى والعدل والحق وخضوع الجميع للقانون حاكمين ومحكومين والمساواة بينهم في الحقوق والواجبات

ولا يفوتني في هذا المقام أن أتحدث عن مشكلة التمويل الذي تحصل عليه منظمات وجمعيات المجتمع المدني من الداخل والخارج. فهذا التمويل ضروري ولا غنى عنه . وينبغي أن تدرك الحكومات ذلك، مثلما يتوجب على المجتمع المدني أن يدرك ضرورة خضوع هذا التمويل للرقابة والمحاسبة للتأكد من انتفاء أي شبهة حوله

إن تصحيح العلاقة بين الحكومات ومنظمات المجتمع المدني يصبح أمراً يسيرا إذا توافرت الشفافية والتزمت كل منظمة أو هيئة أو جمعية بإعلان تفاصيل ما تحصل عليه من تمويل وكيفية إنفاقه . وعندئذ نستطيع تجنب سوء التفاهم الذي ينشأ في بعض البلاد العربية من جراء التمويل الأجنبي بصفة خاصة

السيدات والسادة

وأود هنا أن أؤكد على دور المجتمع المدني في نشر قيمة التطوع بما تنطوي عليه من إيثار وإعلاء للمصلحة العامة . فالمتطوع يضحي بوقت وجهد يمكن أن ينفقهما في شؤونه الخاصة، ولكنه يؤثر تقديمها خدمة للمجتمع ومجموع مواطنيه . ولا شك أن هذه قيمة عليا تشتد حاجتنا إلى تكريسها ، لأن فاعلية المجتمع المدني تزداد بمقدار ما يتم إرساء هذه القيمة النبيلة في حياة ووجدان الشعوب . وإنني لأتطلع إلى يوم قريب ينحسر فيه العمل المأجور في منظمات المجتمع المدني لتصبح نشاطاته كلها طوعية خالصة لوجه الله أولاً ثم لصالح الإنسان العربي ثانياً
إن انتشار العمل الطوعي يُكسب المجتمع المدني احتراماً فوق احترام ويسهم في تصحيح العلاقة بين منظمات هذا المجتمع والحكومات في عالمنا العربي . ولم يعد في إمكان الحكومة ، في أي بلد في عالم اليوم ، أن تحقق التنمية بمفردها دون مشاركة واسعة ومتزايدة من الشعب .. والمجتمع المدني هو الشعب وقد أضحى منتظما بشكل طوعي في منظمات وجمعيات وروابط تملأ المجال العام بين الأسرة والنظام السياسي ، سعياً إلى تحقيق وحماية مصالح فئات مختلفة من الناس ، وتعبئة موارد وطاقات معطلة سواء اقتصادية أو بشرية بما يسهم في عملية التنمية ، وتوسيع نطاق العمل الخيري والاجتماعي وتقديم مختلف الخدمات محاربة للفقر وتحقيقاً للعدالة الاجتماعية وتخفيفاً من عدم العدالة في تحمل الأعباء وتجسيداً للتكافل في سد الفجوة بين الفقراء والأغنياء

السيدات والسادة

إن هذا التطور الكبير والتقدم الملموس في دور المجتمع المدني العربي في مجال الطفولة وما يتصل بها من قضايا الأسرة والمرأة والرعاية الاجتماعية والخدمات الصحية والمعاقين وغيرها واكبه أيضاً تطور ملحوظ في نشاطات هذه المنظمات التي صارت مهتمة بالدفاع عن حقوق الأطفال ومحاولة التأثير على صنع السياسات العامة والتشريعات الخاصة بهذه الحقوق . وهكذا باتت شرائح كبيرة مثل عمالة الأطفال وأطفال الشوارع وغيرها مدرجة على جدول أعمال المجتمع المدني العربي ، بل والحكومات التي أدركت أهميتها . ونرى الآن بشائر تعاون في هذا المجال نحسبه نموذجاً طيباً للتنسيق الذي نشدد على ضرورته بين الحكومات ومنظمات المجتمع المدني .

كما لم تعد هذه المنظمات قطرية فقط ، وإنما أصبح لدينا مؤسسة قومية تُعنى بالطفولة على امتداد الوطن العربي الكبير وهي المجلس العربي للطفولة والتنمية. فهذا المجلس يمد يده للتعاون مع كل جهد من أجل مستقبل الطفل العربي في أي من بلاد أمتنا وعلى المستوى الإقليمي كما في هذا المنتدى ولعلكم تابعتم دور المجلس في حفز الاهتمام لمختلف أبعاد قضايا الطفل

كما أننا عقدنا العزم في إطار المؤسسات التي أنشأناها على أن يكون الطفل والمرأة على سلم الأولويات سواء في المشروعات التنموية أو الرعائية أو في جهود الدفاع عن الحقوق أو في تقديم العون الفني والمادي لكل جهد عربي مخلص في هذا الإطار . وأشير على سبيل المثال إلى برنامج الخليج العربي لدعم منظمات الأمم المتحدة الإنمائية الذي يوجه القسم الأكبر من برامجه وتمويله لقضايا الطفولة والأمومة في دول العالم أجمع، كما أشير إلى الشبكة العربية للمنظمات الأهلية التي تضم قاعدة عضويتها حوالي 56% من المنظمات العاملة في مجال الطفولة

إنني أعلق فضلاً عن ذلك آمالاً كبيرة على مشروعنا الذي بادرنا بالدعوة إليه لتأسيس بنوك للفقراء بالدول العربية، والتي ستستمعون إلى تجاربها في إطار جلسات الحوار في هذا المنتدى وخصص لذلك ندوة خاصة . وأكرر بأن الدعوة مفتوحة إلى الدول العربية للتعاون من أجل تدعيم هذا المشروع . وأوجه الشكر بهذه المناسبة إلى الحكومتين اليمنية والأردنية حيث قدمتا التسهيلات اللازمة لتأسيس أول بنكين عربيين للفقراء في هذين البلدين الشقيقين ، وتجرى جهود مماثلة في مصر ولبنان وفلسطين للغرض ذاته . إن هذا المشروع الجديد وثيق الصلة أيضاً بقضايا الطفولة لأن محاربة الفقر تنعكس إيجاباً على الأطفال الذين ينشئون محرومين من الحد الأدنى لاحتياجاتهم أو في ظروف بائسة
كذلك فقد أعلنا عن مبادرتنا بإنشاء الجامعة العربية المفتوحة التي اتخذت من الكويت مقراً لها ، ونستعد لافتتاحها في العام المقبل إن شاء الله على أن يكون لها فروعاً في الدول العربية التي رغبت فعلاً الانتفاع بخدماتها ، وذلك أيضاً من منظور خدمة الطفل عندما يصل إلى مرحلة التعليم العالي حتى يجد مكاناً له فيها

إن مشكلات الطفولة ليست معزولة عن مشكلات قطاعات المجتمع كله ومن هنا تأتي أهمية الرؤية الشاملة لقضايا الطفولة التي هي نفسها إلى حد كبير قضايا المستقبل . ولا يتأتى ذلك إلا عبر تعميق الوعي بأن المعالجة الفاعلة لقضايا الطفولة تقتضي أن نتناولها في إطارها الاجتماعي الاقتصادي الثقافي الأوسع

ولذلك أقول إن المنظور الخدمي لقضايا الطفولة، على أهميته ، يركز أساسا على الوضع الراهن سعياً إلى تخفيف المعاناة ، فيما يتجه المنظور الشامل صوب المستقبل عبر السعي إلى المعالجة الأوسع، وفي مقدمتها مشكلة الفقر ، وتطوير مؤسسات المجتمع المؤثرة في الطفل بدءاً بالأسرة والمدرسة . وهذه مهمة جد كبيرة تحتاج إلى تضافر الجهود الحكومية والمجتمعية من تنسيق وتعاون

وختاماً نشكر كل الجهود المُخلصة التي ساهمت في الإعداد لهذا المنتدى

والله يحفظكم

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته