كلمة صاحب السمو الملكي الأمير طلال بن عبد العزيز آل سعود في حفل
تخرج طلبة وطالبات جامعة سيدة اللويزة الجمعة 11 يوليو 2003 بيروت - لبنان
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على نبينا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا عيسى بن مريم عليه السلام.
سعادة مدير الجامعة الأب بطرس طربيه
أصحاب السعادة
السيدات والسادة :
بداية نتوجه لكم وللجامعة وقيادتها، وأعضاء هيئة تدريسها، بالشكر والامتنان على إتاحة الفرصة لنا كي نتشارك السعادة ونتقاسمها مع أبنائنا وبناتنا خريجي الجامعة.. وطالم ا أن اليوم هو يومهم فسوف نترك لمشاعرنا العنان.. موجهين حديثنا أولاً لهم فهم يستحقون أن نحتفل ونفتخر بهم .. دون أن نغفل أصحاب الفضل الذين كانوا وراء النجاح من الأساتذة والعاملين بالجامعة ، فقد كان للدور الكبير والمميز الذي اضطلعوا به من تدريس وإعداد لهم ، الأثر الداعم لتأهيل الخريجين حتى أصبحوا جاهزين لخوض معترك الحياة، مساهمين في صنع مستقبل بلدهم لبنان الرائع والجميل .
السيدات والسادة :
هناك فترات من الزمن تترك في نفس الإنسان أثر لا يُنسى.. فلا يرجو لأيامه أن تمضي.. ويتمنى لو استطاع أن يشدها إلى الأرض شداً.. مثبتاً إياها من فرط الحب والسعادة التي يحصل عليها من الأحداث التي تمر به خلالها.. وما فترة الدراسة الجامعية إلا إحدى أحلى أيام العمر التي تظل ذكراها محفورة في الوجدان مهما تقلد المرء من مناصب ومراكز.. ومهما أمتد به العمر.. فيظل حنينه أبداً متوجهاً إلى حقبة من الزمن كانت هي الأجمل على الإطلاق.
إن الدراسة كالزراعة، فهي كما تعلمون لجني الثمار، فقبل أن يهم المرء بزراعة أرضه عليه أن يفكر، ويخطط، ويدرس، حتى يصل إلى اختيار نوع الثمرة التي يرغب في الحصول عليها، ويستتبع ذلك عمل مضن، ومجهود شاق، فمنذ اللحظة التي يتم فيها غرس البذور مروراً برعايتها إلى أن يحين موعد الحصاد.. فترة طويلة من الزمن يعيش فيها الزارع بين الخوف والرجاء، وهو نفس الشعور الذي يراودكم أثناء الدراسة.
وتأتي اللحظة الحاسمة.. تلك اللحظة التي تكرس حقيقة المزج بين الفكر، والروح، والعمل، ونحصل على الرحيق الذي يمد شراييننا بالحياة.. نحصل على الفرحة، التي هي غذاء القلب، الذي طالما كان وما يزال ينبض بقوة مشاركاً ومعبراً وشاكراً في ذات الوقت.. فقد حصل كل زارع على نتاج غراسه.. وهذا ما تماماً ما ينتظر أبناءنا المتخرجين .
السيدات والسادة :
إن المناسبة التي نرعاها اليوم تدعونا أن نمعن النظر إلى ما يفرزه نظامنا التعليمي العربي من نتائج غير مشجعة.. وإذا كنا اليوم نتعرض لضغوط دولية للبدء في عملية إصلاحية شاملة لهذا النظام، فإن استباقنا لتلك الضغوط لا يقلل من تقديرنا لصحتها. لذلك فإن علينا أن نحرص على أن يكون التغيير نابع من ذاتنا إذ أن الوقت كما تعلمون لا يعمل لصالحنا أبداً.
إننا أيها السيدات والسادة بحاجة ماسة إلى نظام تعليمي حديث ومتطور، لا جدال في ذلك، تعليم يُراعي حاجة التنمية في مجتمعاتنا، وأن يكون معيناً لها لا عالة عليها، ونعتقد – ونظنكم تشاطروننا الرأي – أن ذلك يتطلب السير في طريقين متوازيين هما:
الأول : العمل على إعداد جيل جديد من المعلمين خاصة في مجال التعليم الأساسي الذين يجب أن تتوافر لهم فرصاً تدريبية جيدة تمكنهم من إتباع أساليب تعليمية حديثة تتماشى مع متطلبات التحديث المرجوة بما يؤهلهم للنهوض بالعملية التعليمية في مراحلها الأولى.
والثاني : تحديث المناهج التعليمية وتطويرها بما يؤدي إلى تغذية عقول الطلاب وإبراز مواهبهم وقدراتهم الذاتية بعيداً عن الحفظ والتلقين الذي ما فتأت نظمنا التعليمية تتمسك به حتى الآن رغم إفرازاته السلبية وتأثيراته على القدرات الفردية التي لا يسمح لها بالانطلاق والرقي .
السيدات والسادة :
إن مستقبل الأمم مرهون بعناصر شتى أهمها التعليم ، وهذا العنصر الأساسي لا تستطيع جهة واحدة القيام بأعبائه ، أو الوفاء بمتطلباته ، والحكومات العربية لن تتمكن من السير وحيدة في هذا الطريق ، إذا ما أردنا أن يكون قصيراً, لذلك فالمسؤولية يجب أن يتقاسمها الجميع ، والمجتمع المدني عليه أن يتصدى بجدية لهذه المهمة ، لا نقول منفرداً ، بل متعاوناً بمنظماته وجمعياته وحكوماته لبلوغ هدف الجميع ، وهو بناء الإنسان وما يستتبعه ذلك من بناء الأمم الحديثة القوية.
السيدات والسادة :
إن برنامج الخليج العربي لدعم منظمات الأمم المتحدة الإنمائية المعروف ( ب أجفند) الذي لنا شرف رئاسته، قد أولى التنمية البشرية جل اهتمامه، ولم تكن قضية التعليم بخافية علينا، فقد كنا نسعى دائماً في اتجاه الإصلاح وفقاً لما توفر لدينا من قدرات، بذلنا قصارى جهدنا لاستغلالها بالطريقة المثلى، فكان أن قمنا في منتصف الثمانينيات بتمويل مشروع تطوير مرحلة الطفولة المبكرة في المملكة العربية السعودية بالتعاون مع منظمة اليونسكو والحكومة السعودية، وقد كانت أهم مخرجات هذا المشروع تطوير منهج التعليم الذاتي للأطفال في هذه المرحلة ليكون أول منهج مطور يطبق على مستوى الدول العربية، بالإضافة إلى تدريب كوادر من المعلمات والمشرفات التربويات لتنفيذه، وكان نجاح التجربة دافعاً لدول عربية للأخذ بها وتعميمها وتلك الدول هي: البحرين، الإمارات، الكويت، سلطنة عمان، الأردن، مصر، وقطر، وهناك دول عربية أخرى في سبيلها لتطبيقه لديها كالسودان ولبنان.
إن هذا المشروع يعتبر من وجهة نظرنا سيراً في طريق التحديث على دربه الأول والثاني، فهو يركز على المناهج في جانب، وفي جانبه الآخر يعطي اهتماماً بالغاً بالعنصر البشري.
وإيماناً منا بضرورة استكمال أسس الإصلاح التعليمي كان لزاماً علينا أن نخطو خطوة رائدة أخرى تجاه تحديث المناهج، فوصلنا إلى هدفنا عبر دراسات مضنية تكللت بالنجاح، فكانت الجامعة العربية المفتوحة، التي تعمل على تلبية الطلب المتزايد على التعليم الجامعي، آخذين بالاعتبار أن تقدم تعليماً متميزاً، يلبي احتياجات سوق العمل بصورة فعلية، لا أن تكون شهادتها مجرد صكوك غير قابلة للتداول، والجامعة العربية المفتوحة مؤسسة غير ربحية ذات مناهج حديثة متطورة، وقد بدأت عامها الأكاديمي الأول 2002/2003 في ست دول عربية هي: الكويت، لبنان، الأردن، مصر، البحرين، السعودية كخطوة أولى، وهدفنا هو تعميمها على جميع الدول العربية. و تقدم الجامعة منهجاً متميزاً في أربعة تخصصات هي: اللغة الإنجليزية وآدابها ، تقنية المعلومات و الحاسب الآلي، إدارة الأعمال، وتدريب وتأهيل المعلمين والكوادر الوظيفية الأخرى.
السيدات والسادة :
قناعتنا راسخة بأن المستقبل سيكون أفضل بإذن الله، ولكن هناك فرق كبير بين أن نأمل.. وأن نعمل.. فالأمل هو المحرك والمحفز لجميع الطاقات، أما العمل فهو المحقق لكل ما نتمناه، فليؤدي كل منا واجبه.. ولنبذل جميعاً جهودنا فشعوبنا تستحق حياة أفضل وتنتظر منا الكثير..
والله يحفظكم جميعاً ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته