كلمة صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن طلال بن عبد العزيز آل سعود
رئيس المجلس العربي للطفولة والتنمية
في قمة كونكورديا
السادة الحضور
يسعدنا أن نتواجد بينكم اليوم في أكبر محفل دولي يُعقد على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، هذا الحدث الذي يجمع قادة وصناع التغيير لمعالجة القضايا الاجتماعية والبيئية والاقتصادية الأكثر الحاحا في العالم. وتأتي القمة العاشرة لكونكورديا هذا العام في توقيت لم يشهده العالم من قبل من انتشار جائحة كورونا (كوفيد - 19)، والتي ستترك آثارها على أجيال وأجيال، بل وسوف ستشكل نظاما عالميا جديدا تحمل ملامحه تداعيات وتأثيرات كورونا، فالتغيير القادم سيكون هائلا؛ وأن عالم ما بعد كورونا لن يكون كسابقه، مما يستلزم إعادة ترتيب أولويات العالم من جديد.
الحضور الكريم
سنركز في كلمتنا هذه على قضية الطفولة والتنمية، القضية التي يجب أن تتبوأ أولوياتنا في المرحلة القادمة، فمن المعروف بأن الأزمات والطوارئ دائما ما يكون أول المتأثرين بها هم الأطفال باعتبارهم من الفئات الأضعف والأهش، ما يعني أن هناك تداعيات لهذه الجائحة على الأطفال ستحدث دمارا دائما في المستقبل إن لم نعمل معا على مواجهتها والحد من تأثيراتها السلبية .
فلقد أحدثت أزمة كورونا كارثة بكل المقاييس على كل الأطفال سواء في العالم المتقدم أو النامي، حيث تشير تقارير اليونيسف إلى أن نحو 77 % من الأطفال دون سن 18 عاما على مستوى العالم، أو ما يقرب من 1.8 مليار طفل عاشوا في حظر منزلي بسبب الإجراءات الوقائية المتخذة ضد كورونا"... وهو ما يعني أن أزمة كورونا تسببت في إحداث أزمة في مجال حقوق الطفل، بل وألغت سنوات من التقدم المحرز في مجال رفاه وتنمية الطفل.
ففي مجال التعليم تسببت الجائحة في إغلاق المدارس في أكثر من 155 دولة، حيث أعلنت اليونسكو أن أكثر من 90 % من الدارسين في العالم لم يتمكنوا من الذهاب إلى المدرسة أو الجامعة بسبب انتشار جائحة "كوفيد 19"، بل والأخطر هو احتمال عودة ثلث طلاب العالم فقط إلى المدارس مع بدء العام الدراسي الجديد (2020 - 2021).
كما حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، من انقطاع خدمات التطعيم الروتيني للأطفال دون سن العام الواحد في 68 دولة في العالم بسبب تفشي فيروس كورونا، و ارتفاع خطر وفاة حديثي الولادة والأطفال والصغار والأمهات الحوامل لأسباب غير مرتبطة بالفيروس بل بسبب الإنهاك الذي أصاب النظم الصحية الوطنية. كما تقدر الأمم المتحدة أن ما بين 42 و66 مليون طفل قد يقعون في فقر نتيجة لفيروس كورونا المستجد، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى سوء التغذية وزيادة الأمراض لدى هؤلاء الأطفال.
وتعتبر التبعات الاجتماعية لكورونا أكبر حجما وأعمق وأدوم أثرا من أية تبعات أخرى، فقد حذر خبراء حقوق إنسان أمميون من استغلال الأطفال الضعفاء خلال جائحة كوفيد-19 وخاصة الأيتام واللاجئين ونزلاء مؤسسات الرعاية الاجتماعية والنفسية، مشيرين إلى أن هؤلاء أكثر عرضة لارتفاع حالات عمل الأطفال والاستغلال الجنسي والاستعباد المنزلي والتسول القسري والزواج المبكر وغيرها من ضروب الإساءة والاستغلال. كما أن تلك الجائحة قد زادت من الشعور بالخوف، والقلق، والإحباط، ونوبات الهلع، والاكتئاب بين الأطفال.
الحضور الكريم
إذا كانت هذه هى الصورة البانورامية لتأثيرات جائحة كورونا على الأطفال في العالم، فإن الوضع في المنطقة العربية يبدو أكثر صعوبة وتعقيدا بسبب ما تشهده بعض دول المنطقة من مشكلات اقتصادية وصراعات وكوارث، فهناك ملايين الأطفال العرب مشردون يعانون اللجوء، ويعيشون في العراء فاقدين الرعاية، والحماية، والتعليم، بل ومقومات الحياة الإنسانية الأساسية ... حيث تشير اليونيسف إلى أن اكبر عدد من الأطفال اللاجئين من المنطقة العربية، حيث تم نزوح 19 مليون طفل بسبب النزاعات والعنف، وإنهم الأكثر تأثرا بفيروس كوفيد - 19. على جانب آخر ورغم أن التقديرات تشير إلى وجود 15 مليون طفل عامل استنادا إلى الدراسة التي أجريناها في المجلس العربي للطفولة والتنمية مع جامعة الدول العربية ومنظمة العمل الدولية وعدد آخر من المنظمات، فمن المتــــــــوقع - بسبب جائحة كورونا - أن تضطر أعدادا متزايدة من الأطفال العرب للعمل، بل وممارسة أسوأ أشكاله، مما يضر كثيراً بصحتهم وسلامتهم.
وفي دراسة حديثة أجرتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة ذكرت أن أكثر من 50 % من منظمات المجتمع المدني النسائية التي شملتها تلك الدراسة الاستقصائية أن العنف المنزلي قد ازداد في منطقة الدول العربية خلال فترة الإغلاق، مما يشير إلى زيادة الضغط على إثر المصاعب المالية، والبقاء المطول في الأماكن المغلقة، فضلًا عن زيادة العنف على الإنترنت ضد النساء والفتيات مع تزايد نشاط الجناة على الشبكات الاجتماعية، بما يلقي بالتبعية ظلاله على الطفل. لذا يمكن الحسم بأن جائحة كورونا جاءت فأضافت إلى بعض الدول العربية أزمات اقتصادية واجتماعية وحياتية ونفسية، مما جعلها نكبة مضاعفة.
ولذلك فقد سعينا في المجلس العربي للطفولة والتنمية والمؤسسات التنموية التي نعمل معها أن نوجه عملنا خلال هذه الفترة إلى الاهتمام بتداعيات جائحة كورونا المستجد من خلال تقديم الدعم لعدد من الشركاء مثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين واليونيسف وغيرها من المنظمات الشريكة، فضلا عن الدور التوعوي بهدف الدعم ونشر الوعي والمعرفة في كل مجال من مجالات حقوق الطفل، والسعى نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة، تحقيقا لتنشئة أفضل للطفل العربي تواكب المستجدات وتمكنه من الدخول لعصر المعرفة والثورة الصناعية الرابعة وعالم ما بعد كورونا.
الحضور الكريم
دعونا ومن هذا المنبر العالمي أن ندعو إلى تحرك دولي من قبل كل الأطراف المعنية ، لإبطاء انتشار كوفيد-19 وتقليص التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية على الأطفال، وتقوم رؤيتنا على أن يتبنى هذا التحرك الدعوة نحو إيلاء المزيد من الاهتمام بالأطفال خاصة الأطفال في ظروف خاصة، عبر تعزيز الإطار المؤسسي والتشريعي من حيث القوانين والأنظمة الوطنية والمواثيق الدولية والإقليمية والوطنية، ووضع سياسات الحماية الاقتصادية القائمة على إصلاح سياسات سوق العمل ومعالجة أسباب البطالة، وكذا سياسات الحماية الاجتماعية للطفل والأسرة، والوصول إلى الخدمات الأساسية بما فيها الرعاية الاجتماعية والتعليم من خلال أدوات تعليمية مبتكرة وبديلة لتحفيزهم على العودة وإعادة الانخراط في التعلم عبر الوسائل التكنولوجية، مع وضع سياسات التنمية الثقافية التنويرية الداعمة لنؤسس عالم "ما بعد كورونا"، يكون قائما على الشراكات الفاعلة وتحقيق التنمية المستدامة والوصول إلىى ما هو أفضل للجميع.
نوجه الشكر على هذه الدعوة الكريمة للمشاركة في هذا الحدث الهام، والشكر لكل القائمين علي تلك القمة على ما قاموا به من جهد تحضيري وتنظيمي، متطلعين إلى القمة القادمة والعالم أكثر أمنا ورحابة للطفل في كل مكان.
والله الموفق،،
التاريخ: 25 سبتمبر 2020