النص الكامل لكلمة صاحب السمو الملكي
الأمير عبد العزيز بن طلال آل سعود
خلال الجلسة الافتتاحية لأعمال المنتدى العربي للمناخ
النسخة الثانية في دبي
أصحاب المعالي والسعادة ....
السيدات والسادة الحضور الكريم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله اوقاتكم بكل خير
أود بداية أن أوجه جزيل الشكر والتقدير لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي ـ يحفظهما الله ــ ، وإمارة دبي على الدعم الكبير الذي يلقاه المنتدى العربي للمناخ في نسخته الثانية ، قبيل أسبوعين فقط من انطلاق أعمال قمة المناخ COP 28 (مؤتمر الأطراف) في دورتها الثامنة والعشرين في دبي، والتي ستعقد للعام الثاني على التوالي في المنطقة العربية، حيث استضافت شرم الشيخ COP 27 العام الماضي، هذه الدورة التي تتسم بأهمية خاصة، حيث ستتضمن أول تقييم عالمي لمراجعة التقدم الجماعي الذي جرى إحرازه نحو تحقيق أهداف اتفاقية باريس لعام 2015 للحد من الاحتباس الحراري ، إلا أنها تعقد في ظل مشهد لا إنساني إقليميًا وعالميًا يموج بالاضطرابات والأزمات المأساوية المحزنة، خصوصًا في منطقتنا، ودون نسيان لما يجري، نجتمع لنعالج كارثة أخرى تواجه البشرية، الا وهو "التغيير المناخي" الذي يلقي بظلاله وتداعياته السلبية على مختلف مناحي الحياة خاصة في عالمنا العربي الذي يقع ضمن أكثر الأقاليم هشاشة وتضرراً من الاحتباس الحراري.
وفي هذا الإطار، فإننا في برنامج الخليج العربي للتنمية "أجفند" وبالشراكة مع الشبكة العربية للمنظمات الأهلية الذراع التنموي لأجفند في القطاع المدني، وبالتعاون مع كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية، وتحت مظلة جامعة الدول العربية، حرصنا على عقد النسخة الثانية من المنتدى العربي للمناخ، وهو محفل علمي مدني دشنته الشبكة بالشراكة مع "أجفند" تحت مظلة جامعة الدول العربية العام الماضي في القاهرة، كآلية عربية دورية الانعقاد تستهدف مناقشة التحديات التنموية التي يفرضها تغير المناخ في المنطقة العربية، والبحث عن حلول مناخية محلية مبتكرة للحد من آثاره وتداعياته في دولنا العربية.
السيدات والسادة الحضور الكريم
تأتي النسخة الثانية من المنتدى تحت شعار "الزراعة المستدامة والأمن الغذائي: معا لتحقيق الصمود والمرونة والتنمية الاجتماعية لصغار المزارعين"، لتقييم تداعيات تغير المناخ على القطاع الزراعي والعاملين فيه، خاصة صغار المزارعين ومنتجي الغذاء من النساء والرجال، ثم البحث عن الحلول والآليات التي من شأنها تعزيز الزراعة المستدامة ودعم مرونة صغار المزارعين وزيادة الإنتاجية الزراعية وجودتها دعماً للأمن الغذائي العربي.
الحضور الكريم
إن منطقتنا العربية كانت دوما موطنًا للعديد من المحاصيل الرئيسية، وقد تميزت لعدة قرون، بالابتكار في الزراعة من خلال تطوير التقنيات الزراعية، وهو ما أسهم في ازدهار المجتمعات المحلية واتساعها وازدياد كثافتها، واليوم، مازالت الزراعة تسهم بشكل كبير في الناتج المحلي الإجمالي الإقليمي، وإن كان بدرجة أقل من القطاعات الأخرى، وفي المتوسط، تساهم الزراعة بنسبة 14 % من الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية. ومع هذا، تواجه الزراعة في عالمنا العربي تحديات معقدة تهدد فرص ازدهارها وزيادة انتاجيتها، واستدامتها، وهو ما سينعكس سلبا على الأمن الغذائي العربي والعاملين بالقطاع الزراعي خاصة أصحاب الحيازات الصغيرة.
تتجلى تلك التحديات في هشاشة الموارد الطبيعية بالمنطقة، كندرة المياه، وتدهور التربة وتآكلها، كما يُعد عالمنا العربي نقطة ساخنة لتغير المناخ، حيث تتنبأ النماذج المناخية بدرجات حرارة أعلى بنسبة 20% من المتوسطات العالمية. وتتضافر العديد من التحديات والظروف، لتشكل انعكاسات خطيرة على حالة الأمن الغذائي في عالمنا العربي، حيث وصل عدد المتضررين من نقص التغذية في المنطقة العربية إلى أكثر من 54 مليون شخص عام 2021، وهي زيادة بنسبة 55% عن الأرقام المسجلة في عام 2010.
السيدات والسادة ..
يوم بعد يوم يزداد تأثير التغيير المناخي وضعف الموارد الطبيعية على صغار المزارعين، الذين غالباً ما يكونون مهمشين ومحدودي الموارد، بينما هم يشكلون العمود الفقري للمجتمعات الريفية، وعلى الرغم من مشاركتهم الواسعة في القطاع الزراعي، حيث ينتجون أكثر من 80% من بعض المحاصيل السنوية والدائمة. فإن هؤلاء المزارعين يشكلون نحو 70% من الفقراء الذين يعيشون في المنطقة، فبخلاف الهشاشة المناخية الزراعية، يواجهون العديد من التحديات الناجمة عن أصولهم المحدودة وتجزئة الأراضي وضعف القدرات، ومحدودية القدرة على الوصول إلى الأسواق والمنافسة فيها، مما يؤثر سلباً على أرباحهم ودخلهم. أما النساء العاملات في القطاع الزراعي - ونتيجة لاستمرار أوجه التمييز القائمة على النوع الاجتماعي - فهم يواجهون بدورهم تحديات أكثر من الذكور.
الحضور الكريم..
إن التغلب على هذه التحديات وغيرها وتحسين سبل عيش صغار المزارعين، وتعزيز صمودهم في وجه الصدمات المناخية وغيرها، يتطلب تبني منهجية متكاملة لضمان وصول صغار المزارعين إلى مجموعة واسعة من الخدمات الاستشارية الريفية التي تمكنهم من تبني الممارسات الزراعية المستدامة وترشيد إدارة الموارد المائية وزيادة الإنتاجية بطريقة مستدامة وتعزيز الربحية والدخل. وهو ما يستلزم مجموعة من الخدمات التي تدعم شمول المزارعين مالياً، وتمكينهم اقتصادياً واجتماعياً.
وقد كشفت خبرة "أجفند" في هذا الشأن عن أن الوصول إلى هذا النطاق الواسع من الخدمات تكون سهلة إلى حد كبير من خلال إشراك منظمات المجتمع المدني وما توفره من مساحات لاحتواء صغار المزارعين ومنتجي الغذاء عبر تنظيمهم وسماع أصواتهم ومتطلباتهم، والاستفادة من خبراتهم المحلية، والاعتراف بصغار المزارعين والتنظيمات الممثلة لهم كمقدمين للحلول المناخية ووضعهم كجهات فاعلة مركزية في المناقشات والتمويلات المتعلقة بالقدرة على التكيف مع تغير المناخ في المستقبل.
السيدات والسادة الحضور الكريم
إن التحديات التي نواجهها في تحقيق الزراعة المستدامة والأمن الغذائي معقدة، ولكن الفرص أيضًا كبيرة. ومن خلال الاستثمار الاجتماعي والاقتصادي في صغار المزارعين ومنتجي الغذاء، يمكننا تحويل نقاط ضعفهم إلى نقاط قوة، وإنشاء أنظمة زراعية مرنة تعود بالنفع على المجتمعات الريفية وتسهم في الحد من الفقر الريفي وتحقيق التحول الريفي الشامل.
من هنا فإننا في "أجفند" ومؤسساته التنموية نلتزم بالعمل عبر الحدود والقطاعات، لتمكين صغار المزارعين، وتعزيز قدرتهم على الصمود، وضمان تنميتهم الاجتماعية، ليس لتأمين الغذاء للأجيال القادمة فحسب، بل لبناء مستقبل مستدام ومزدهر لدولنا العربية.
أخيرًا، دعواتنا أن يخرج هذا التجمع بتوصيات واقعية وعملية ، كما نسأل الله أن يوفق دولة الإمارات العربية المتحدة في تنظيم الدورة الثامنة والعشرين من قمة المناخ.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.