من نحن

مؤتمر البنك الدولي حول تطور الأديان

أود أولاً أن أعبر عن شكري العميق للبنك الدولي، ولمركز الدراسات الدولية بكتدرائية كانتربري على الدعوة الكريمة للمشاركة في فعاليات هذا المنتدى
11 ديسبمر 2020
كلمة
صاحب السمو الملكي
الأمير طلال بن عبد العزيز

أين نحن من أحداث 11 سبتمبر؟
وما هي التحديات التي تواجهنا؟

مؤتمر البنك الدولي حول تطور الأديان

كانتربري - بريطانيا
الاثنين 7 أكتوبر 2002


السيدات والسادة :
 
أود أولاً أن أعبر عن شكري العميق للبنك الدولي، ولمركز الدراسات الدولية بكتدرائية كانتربري على الدعوة الكريمة للمشاركة في فعاليات هذا المنتدى، والحقيقة أنني أرى في مثل هذه المنتديات التي تتناول قضايا التنمية، فرصة نادرة لتبادل وجهات النظر بين أناس ينتمون لثقافات وحضارات مختلفة، بشأن التحدي الأساسي الذي يواجهنا اليوم، والذي يتمثل في محاولة التكيف مع العولمة وتطويعها بحيث تصبح قوة إيجابية لصالح الناس جميعاً.
 
وما نراه حتى الآن، لا يبشر بالخير الذي نرجوه ، فرغم أن العولمة تحمل بين طياتها فرصاً هائلة ، إلا أن البشر لا يتمتعون بخيراتها بشكل متساو ، كما أن مخاطرها وخسائرها ليست موزعة بشكل عادل.
 
فالحاصل أن الدول الفقيرة تزداد أحوالها سوءاً ، وكأنما كُتب عليها وحدها أن تتحمل تكلفة العولمة دون أن تجني إلا القليل من ثمارها .. وهذا ليس من العدل في شيء .
 
السيدات والسادة :
 
لقد جاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر لتضيف مخاطر جديدة وأعباء هائلة على اقتصادات الدول النامية التي تسعى بالكاد لأن يكون لها مكان على خريطة الاقتصاد العالمي. ومنذ أن وقعت هذه الفاجعة، والكثير من خبراء الاقتصاد والمحللين الدوليين يتوقعون أن يدخل العالم في دورة ركود طويلة.
 
ومن السهل علينا أن ندرك الأسباب وراء هذا الركود، فالولايات المتحدة الأمريكية تعتبر ? بحق ? قاطرة الاقتصاد العالمي، إذ يبلغ ناتجها القومي الإجمالي نسبة عالية من الناتج الإجمالي العالمي، إضافة إلى أن السوق الأمريكي تمثل أكبر سوق في العالم على الإطلاق. وعندما يُصاب بحالة من الركود، فإنه يجر الاقتصاد العالمي برمته وراءه. أو كما يقولون: عندما تسعل الولايات المتحدة فإن العالم كله يصيبه الزكام.
 
وكان الاقتصاد الأمريكي قد دخل في الربع الأخير من عام 2000 مرحلة تباطؤ واضحة على صعيد النشاط الاقتصادي ، وهو ما تجسد في انخفاض مؤشرات البورصات الأمريكية ، وانخفاض طلب المستهلكين إلى جانب الانخفاض في الطلب الاستثماري .
 
وبالرغم من الجهود التي بذلت خلال الأشهر الثمانية الأولى منذ عام 2001 لإعادة مسار النشاط الاقتصادي إلى النمو مرة أخرى ، فإن أحداث 11 سبتمبر جاءت لتؤكد مخاوف تحول هذا التباطؤ إلى ركود عميق .
 
وتكفي الإشارة إلى أن معدل البطالة في الولايات المتحدة أرتفع في شهر أكتوبر من عام 2001 ليصل إلى 5.4% وهو أعلى معدل منذ خمس سنوات . هذا بالإضافة إلى القطاعات التي تعرضت لخسائر فادحة يصعب تعويضها في المدى القصير، مثل شركات الطيران وشركات السياحة والتأمين والنقل والشحن . وقد أدت أحداث سبتمبر إلى الزج بنحو 400 ألف عامل إلى صفوف العاطلين ، وغالبيتهم كانوا يعملون في شركات الطيران ووكالات السفر والسياحة والفنادق وبائعي التجزئة.
 
ونظراً للحجم الهائل للاقتصاد الأمريكي ووزنه النسبي الكبير بين اقتصادات العالم من ناحية، وتشعب العلاقات التجارية الأمريكية، والحجم الهائل للاستثمارات الأمريكية في مختلف دول العالم، من ناحية أخرى، فإن اقتصادات العالم كلها قد تأثرت سلبا هي الأخرى بعاصفة سبتمبر، وما تلاها من حرب أمريكية على الإرهاب. وكان ذلك الأثر السلبي واضحا على حركة الاستثمارات والسياحة والطيران.
 
وليس هناك شك في أن الدول النامية كانت المتضرر الأكبر من هذا الركود الاقتصادي، الذي امتد من الولايات المتحدة إلى أوربا واليابان، التي كانت تعاني من الركود أصلاً. ونحن نقول أن الدول النامية هي الأكثر تأثراً لأنها الأقل مناعة تجاه أي تغيرات في قمة النظام الاقتصادي العالمي.
 
وغني عن البيان القول بأن الاقتصادات العربية على وجه الخصوص تعد من أكثر اقتصادات العالم تأثراً بحالة الاقتصاد الدولي، إذ أنها ترتبط مع هذا الاقتصاد ارتباطاً بالغ القوة، وهذا يرجع في الأساس إلى اعتماد عدد معتبر من البلدان العربية على تصدير النفط والغاز، أو على تصدير الخدمات السياحية وخدمات قوة العمل، ومن المؤكد أن الارتفاع النسبي في أسعار النفط لا يعوض الأضرار الجسيمة التي أصابت الاقتصادات العربية. وقد بلغ متوسط نسبة التجارة الخارجية في اقتصادات الدول العربية نحو 50.6% عام 1999، وهذه نسبة تعبر عن درجة كبيرة من الارتباط بالاقتصاد العالمي، وعن ميل كبير للتأثر بأي هزة مفاجئة تواجهه، يُضاف إلى ذلك ما أصاب الاستثمارات العربية في الخارج من خسارات كبيرة.
 
وهكذا، تجد الدول النامية، وفي القلب منها الدول العربية والإسلامية ، نفسها في موقف لا تحسد عليه، فبعد أن أحرز عدد منها نجاحات ملحوظة في برامج الإصلاح الهيكلي والمالي ، جاءت أحداث سبتمبر لتعيدها إلى الوراء عدة خطوات . فقد أدى الوضع السياسي الضبابي على الصعيد العالمي ، وغياب الثقة والأمان وهما أساس الانتعاش الاقتصادي ، إلى تباطؤ معدلات النمو الاقتصادي في الدول العربية في عام 2001 وكذلك في العام الجاري .
 
السيدات والسادة :
 
ليس هناك مناص من الإشارة إلى أن الإجراءات الأمريكية التي اتخذت بغرض مكافحة الإرهاب بعد 11 سبتمبر، قد حملت بين طياتها تهديدات واضحة للنمو الاقتصادي في الدول العربية والإسلامية على وجه الخصوص. ففي إطار محاولات تجفيف منابع تمويل الإرهاب، تم وضع العديد من الأشخاص والبنوك والمؤسسات العربية في القائمة السوداء بحجة أنها تمثل منبعاً مالياً لدعم الأنشطة الإرهابية في العالم. وقد كان للإجراءات التي اتخذتها الإدارة الأمريكية سواء في التضييق على العرب والمسلمين في أمريكا، أو في اتهام بنوك وجمعيات خيرية في العالم الإسلامي بتمويل الإرهاب، كان لهذه أثر سيئ على الاستثمارات العربية في الولايات المتحدة.
 
ومعروف أن العرب يملكون استثمارات كبيرة في الخارج، وهذه الاستثمارات صارت تواجه مأزقاً صعباً بعد أحداث 11 سبتمبر وتبعاتها، وهذا بالإضافة إلى ما أصابها فعلا ًمن أضرار مما يفرض ? بدوره ? أعباء إضافية على الوضع الاقتصادي في الدول العربية.
 
ومما يزيد من قلقنا فإن عزم الولايات المتحدة الأمريكية على المضي قدماً في حربها ضد الإرهاب وسعيها إلى مد رقعة هذه الحرب لتشمل دولا توصف بأنها مارقة مثل العراق، يحمل بين طياته مزيداً من الأخطار على إمكانيات النمو الاقتصادي في المنطقة العربية والإسلامية.
 
فليس خافياً أن حرباً مثل هذه تتطلب توفير نفقات عسكرية بالغة الضخامة، ستؤثر حتماً على الاقتصاد الأمريكي، وعلى اقتصاد أي دولة تشارك الولايات المتحدة في تمويل حملة عسكرية على العراق. وهذا كله سوف يؤثر بدوره على الدول النامية التي ستعاني الأمرين من حالة ركود جديدة تصيب الاقتصاد الأمريكي والاقتصاد العالمي .
 
وهكذا فإن الدول العربية والإسلامية لم تعان فقط من ضغوط سياسية وخسائر معنوية نتيجة وضعها موضع الاتهام ، وإنما تعرضت لضغوط ومشاكل اقتصادية بسبب أحداث 11 سبتمبر.
 
وهذه مُفارقة تاريخية تستلزم الانتباه وتستحق التوقف عندها للتأمل والتدبر، فالولايات المتحدة الأمريكية والدول المتقدمة تطالب الدول النامية، وخصوصاً دول المنطقة العربية، بالإسراع في خطط التنمية والنمو الاقتصادي ، لأن هذا النمو هو أحد أهم ضمانات عدم وقوع أحداث إرهابية جديدة . وفي نفس الوقت نجد هذه الدول المتقدمة تتبع سياسات وتتخذ مواقف من شأنها تعطيل جهود التنمية في المنطقة العربية وليس دفعها للإمام .
 
وكان الأجدر بالولايات المتحدة الأمريكية، إن كانت حقاً لا ترغب في تكرار تجربة 11 سبتمبر الأليمة، أن تسعى لمعرفة الجذور التي أنتجت كل هذه الكراهية المدمرة. إن هذه الجذور تكمن ? أيها السيدات والسادة ? في الانحياز الأمريكي الشديد لإسرائيل والإحساس العميق بغياب العدالة في هذا الانحياز، كما تكمن في الفقر الجاثم على صدر الدول النامية كالكابوس، والذي صار مشكلة أكثر إلحاحاً في ظل العولمة الراهنة.
 
لا شك أن الفقر هو أحد المنابع الرئيسية للشعور بالسخط، والرغبة في التدمير والانتقام، وهؤلاء الذين يعيشون في الأركان المهمشة من العالم على أقل من دولار يومياً, وعددهم يربو على المليار إنسان، كيف نلومهم إذا شعروا بالحقد والرغبة في الانتقام من العولمة التي لم تعبأ بهم وتركتهم نهباً للفقر والمرض.
 
السيدات والسادة :
 
لقد علق الكثير أمالاً كبيرة على القمة العالمية حول التنمية المستدامة التي انعقدت في جوهانسبرج بجنوب أفريقيا الشهر الماضي. ولكن هذه القمة قدمت القليل جداً من أجل المحرومين والفقراء لدرجة أن بعض النشطين في مجال الأعمال الخيرية الدولية وصفوها بأنها انتصار مؤزر للجشع وللمصالح الذاتية، ومأساة جديدة بالنسبة للفقراء والبيئة.
 
وعلى الرغم من أن السيد كوفي عنان، الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، كان قد وجه نداء إلى عدد من كبار رجال الأعمال في العالم للاستثمار في البلدان الفقيرة تحقيقاً لمصلحة الفقراء والأغنياء على حد سواء، إلا أن نداءاته ذهبت أدراج الرياح، وخرج البيان الختامي للقمة مخيباً للآمال، وكان الانطباع لدى الدول النامية هو أن دول العالم المتقدم قد تخلت عنها .
 
السيدات والسادة :
 
إن المشهد العالمي بعد 11 سبتمبر يثير في النفس توقعات غير إيجابية تجاه المستقبل، وعلى الرغم من أننا جميعاً ندين بقوة الاعتداءات على الولايات المتحدة الأمريكية بهذه الصورة البشعة ، إلا أننا لا نقف مع امتداد الحرب الأمريكية على الإرهاب بصورة تُدخل العالم كله في نفق مظلم ، وتضعف آمال الدول النامية والأكثر فقراً في تحقيق النمو الاقتصادي .
 
وما أراه الآن هو أن واجب الدول المتقدمة ، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ، وكذلك المؤسسات الدولية ، وعلى رأسها البنك الدولي ، الذي يسعدني مشاركته معنا في هذا المنتدى ، من واجب هؤلاء البحث عن مخرج للدول النامية من المأزق الاقتصادي الذي حاصرها بعد أحداث 11 سبتمبر، وبدلاً من التفكير في كيفية مد الحرب العسكرية على الإرهاب ، وبدلاً من تسخير النفقات الهائلة لتمويل حملات عسكرية لن تجني الولايات المتحدة من ورائها سوى مزيد من الكراهية ، بدلاً من هذا يمكن توجيه هذه الموارد إلى أغراض مكافحة الفقر، فمكافحة الفقر هي في الوقت ذاته مكافحة للإرهاب .
 
وقد عرفت أخيراً أن البنك الدولي يسعى لإيجاد بليون دولار ضرورية لتمويل برنامج تخفيف ديون الدول الأكثر فقراً، ويهدف هذا البرنامج إلى مساعدة الدول الأكثر مديونية من بين الدول الفقيرة، على تخفيف ديونها بما يمكنها من تخصيص مزيداً من الموارد لشؤون الصحة والتربية.
 
وهذه الجهود ، في نظري ، تمثل مخرجاً هاماً من الحالة التي دخل إليها العالم في أعقاب أحداث 11 سبتمبر . فاستمرار الركود الاقتصادي ? الذي يقع عبئه الأكبر على الدول الفقيرة والنامية وفي القلب منها معظم الدول العربية والإسلامية ? لن يقضي على الإرهاب وإنما، على العكس ، سيزيد من احتمالات وقوع أحداث إرهابية جديدة في المستقبل .
 
السيدات والسادة :
 
لقد اعتبرت الولايات المتحدة الأمريكية أن العرب والمسلمين هم الجاني في أحداث سبتمبر الأسود، بينما تشير أحداث السنة الماضية إلى أنهم صاروا المجني عليهم، فها هي الإجراءات الأمريكية تأخذ منحى عقابياً تجاه العرب والمسلمين بوجه عام، وكان أولها إجراءات تجميد أرصدة بعض الأفراد والمؤسسات العربية مما كان له أثر سلبي شديد، وآخرها الإجراءات الصارمة التي بدأت الولايات المتحدة في تطبيقها بشأن منح تأشيرات الدخول والإقامة لأمريكا ، وهي إجراءات تستهدف عدة ملايين زائر سنوياً لأمريكا ، وتركز على العرب والمسلمين .
 
وقد اطلعت أخيراً على تحقيقات صحفية تتناول خروج الأموال العربية من الولايات المتحدة بسبب خوف المستثمرين العرب من احتمال تأثر أعمالهم بالأجواء التي خلفتها أحداث 11 سبتمبر، وبغض النظر عن المبالغة في المعلومات التي تتحدث عن خروج الأموال العربية ، فإن النتيجة التي يصل إليها أي متابع لأحداث السنة الماضية هي أن السياسات التي تتبعها الولايات المتحدة ? التي يقودها تيار يميني بالغ التطرف ? لا تُشجع على الخروج من حالة الركود الاقتصادي الحالية ، وإنما تزيد من حدتها
 
وما نراه الآن هو أن فقراء العالم هم الذين يدفعون ثمن أحداث 11 سبتمبر وتداعياتها المستمرة حتى الآن، كذلك ما زال هناك الإحساس بالظلم وعدم التوازن في السياسة الأمريكية إزاء الشرق الأوسط.
 
السيدات والسادة :
 
لا يسعني إلا أن أوجه رسالة، باسم جميع الحضور هنا ، إلى دول العالم المتقدم وإلى المؤسسات المالية الدولية ، وعلى رأسها البنك الدولي ، بأن يمدوا يد العون إلى الدول النامية والدول الأكثر فقراً.
 
وأخيراً أود أن أقول إن اليوم الذي تتضافر فيه كل القوى الفاعلة في العالم لدعم التعاون الدولي والعمل الجماعي في إطار الأمم المتحدة والذي تخف فيه وطأة الفقر سيكون نفس اليوم الذي يندحر فيه الإرهاب ويختفي تماماً، فتعالوا بنا نعمل جميعاً من أجل أن يأتي هذا اليوم سريعاً.
 
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ,,