من نحن

مؤتمر قمة الإقراض متناهي الصغر في الشرق الأوسط

يشرفني أن أتواجد معكم في هذا المؤتمر الذي يعتبر الأول في مجال الإقراض متناهي الصغر في المنطقة ، وينطوي على أهمية خاصة لأغلب دول المنطقة العربية وأفريقيا
11 ديسبمر 2020
كلمة
صاحب السمو الملكي
الأمير طلال بن عبد العزيز
في مؤتمر

" قمة الإقراض متناهي الصغر في الشرق الأوسط وأفريقيا "

عمان – المملكة الأردنية الهاشمية
الأحد – الأربعاء
10-13 أكتوبر 2004
 
بسم الله الرحمن الرحيم

جلالة الملكة رانيا العبد الله
أصحاب المعالي والسعادة ..
السيدات والسادة :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

يشرفني أن أتواجد معكم في هذا المؤتمر الذي يعتبر الأول في مجال الإقراض متناهي الصغر في المنطقة ، وينطوي على أهمية خاصة لأغلب دول المنطقة العربية وأفريقيا التي تمر بمرحلة تحول اقتصادي يمكن أن تكون لها آثار اجتماعية خطيرة وخصوصاً فيما يتعلق بازدياد أعداد الفقراء والمهمشين . ولذلك تشتد الحاجة إلى المبادرات التي تهدف إلى تأكيد البعد الاجتماعي في عملية التنمية ، ونشر الوعي بأهمية توسيع نطاق المشاركة الحرة في الحياة الاقتصادية .

فقد علمتني تجربتي في بلدان العالم الثالث ، والعالم العربي بخاصة ، أن هناك علاقة وثيقة بين الإصلاح الاقتصادي والإصلاح السياسي . ولكنني أنظر إلى هذه العلاقة نظرة أبعد من مجرد تلازم مساري الإصلاح ، وأرى أن فرص المواطنين في أسفل السلم الاجتماعي في المشاركة السياسة تكون أفضل لو تمكنوا من المشاركة بأنفسهم في تحسين مستوى حياتهم ، وهذا يستدعي ضرورة إعطاء مزيد من الاهتمام لمبادرات من نوع الإقراض متناهي الصغر التي تطبق أفضل الممارسات . وذلك حتى لا يقتصر دور هذه المنظمات على القيام بالبرامج التقليدية للمساعدة الاجتماعية ، وإنما يمتد ليشمل صياغة مبادرات جديدة تهدف إلى الوصول إلى الفئات الأشد فقراً ، مع إعطاء أفضلية للنساء. ومن هنا تنبع أهمية مؤتمرنا، الذي يمثل واحدة من المبادرات القليلة في هذا الاتجاه.

السيدات والسادة :

إن ازدياد عدد الفقراء في عصر العولمة الذي نعيشه هو عار على جبين البشرية ، والإحصاءات الدولية تبدو وكأنها ناقوس يدق دون أن يلقى آذانا صاغية ، ولا شك أن إدراج موضوع تقليص عدد الفقراء إلى النصف بحلول عام 2015 بين أهداف الألفية يمثل اتجاها محموداً ونبيلاً ، وهو قد يبدو هدفاً شديد الطموح ، وربما خيالياً في نظر البعض ، و لكنه يظل قابلاً للتحقيق من خلال مبادرات مبتكرة تنطوي على درجة عالية من الإبداع .

وتحتل الجهود التي تقوم بها حملة قمة الإقراض متناهي الصغر مكاناً بارزاً بين هذه المبادرات ، فمنذ ست سنوات وهذه الحملة تقوم بجهود في سبيل الوصول إلى 100 مليون أسرة من أفقر الفقراء بنهاية عام 2005 ، مع تركيز خاص على النساء باعتبارهن الأقل تمكينا .

وغني عن البيان أن فلسفة الإقراض متناهي الصغر التي تقوم على دفع الفقراء لمساعدة أنفسهم والمشاركة الفاعلة في تحسين حياتهم بدلاً من تقديم معونات وقتية لا تدوم ، تعد الأنجع والأقوى أثراً في مواجهة حالات العوز الشديد . وقد ثبت أن القروض الصغيرة تسهم في تحويل حياة الفقراء في اتجاه أكثر إنسانية وكرامة لأنها تشعرهم بأنهم يتمكنون من مساعدة أنفسهم، ولا يتلقون إحساناً .

ومن المؤسف أن يشهد المرء توسعاً في مؤسسات التمويل الصغير ومتناهي الصغر في بعض دول العالم المتحضر ، كما في أوربا مثل (النرويج وكوسوفو) ، وأمريكا في ولاية أركانساس ، بينما تشير الإحصائيات إلى صورة مغايرة تماماً بالنسبة للمنطقة العربية وأفريقيا ، إذ لا يزال عدد مؤسسات الإقراض متناهي الصغر في هذه المنطقة قليلاً جداً بما لا يتناسب مع حجم الفقر بها .

وفي الوقت الذي بدأت فيه دول اتحاد أفريقيا التوجه نحو مكافحة الفقر، وانتشرت بنوك الفقراء في دول بآسيا، فإنني للأسف لم أرى مثل هذا التوجه على الصعيد العربي .

ولذلك أوجه من هذا المنبر نداءً إلى القادة العرب والأمين العام لجامعة الدول العربية لإدراج موضوع مكافحة الفقر على أجندة القمة العربية القادمة في الجزائر، كما أوجه نفس النداء إلى الاتحاد الأفريقي .

السيدات والسادة :

لعلكم تلاحظون معي أن ثقافة الإقراض لم تتجذر بعد في مجتمعاتنا التي يسودها الاعتقاد بأنه لا سبيل لمعاونة الفقراء إلا الإحسان . ولا أقصد بذلك معارضة هذا السبيل أو إنكار أثره الطيب في تخفيف آلام المحتاجين . ولكنني أدعو إلى أن ينتشر بجواره الاتجاه إلى إشراك الفقراء في تحسين حياتهم والحفاظ على كرامتهم ليكون لهم دور إيجابي يتطور تدريجياً صوب المشاركة في صنع مستقبل بلادهم ، فمنذ إطلاعي على تجربة بنك (غرامين) للفقراء في بنجلاديش سعيت إلى نشر الوعي بهذه الفكرة التي تقوم على فلسفة بسيطة جوهرها تمكين الفقراء .

وهنا أتوقف قليلاً لأذكر فضل الرائد الأول لبنوك الفقراء سعادة الدكتور محمد يونس الذي وضع الأساس لهذه التجربة العظيمة بمبلغ بسيط لا يتجاوز 27 دولاراً ، وها هي التجربة تطورت وغطت نصف قرى بنجلاديش واتسع نطاقها حتى صار حجم القروض التي منحها بنك (غرامين) 3 مليار و 750 مليون دولار ، وتحول إلى بنك مملوك للمقترضين 95 بالمائة منهم من النساء .

واليوم إذ يشهد مشروع إنشاء بنوك الفقراء في العالم العربي - الذي نرعاه من خلال (أجفند) - تقدماً في كل من اليمن والأردن والعمل جار مع دول عربية أخرى، على الرغم من التعقيدات التي يواجهها في بعض الدول. فإنني ما زلت أحلم بأن تعم تجربة بنوك الفقراء العالم العربي وأفريقيا، وأن تلقى الاهتمام اللازم من قبل الحكومات ومؤسسات التمويل، فإن مثل هذه التجربة تمثل مبادرة فريدة ومميزة. وما زالت الساحة تحتاج إلى مزيد من المبادرات التي تقوم على ثقافة الإقراض بدلاً من المساعدات الوقتية التي غالباً ما تكون محدودة الأثر.

السيدات والسادة :

تفاعلاً مع حملة الإقراض متناهي الصغر والسنة الدولية للإقراض متناهي الصغر، فقد وجه (أجفند) جائزته لعام 2005 بفروعها الثلاثة للإقراض متناهي الصغر وذلك تقديراً لأفضل الممارسين في هذا المجال .

ويسرني - في حال موافقة شركاءنا المانحين - أن أعلن من هذا المكان إطلاق مبادرة (أجفند) لإنشاء صندوق عربي إفريقي للإقراض متناهي الصغر بهدف تفعيل الآليات اللازمة لهذا النوع من الإقراض متناهي الصغر في المنطقة العربية وأفريقيا .

وأرى - أيها السيدات والسادة - أن مؤتمركم هذا ينبغي أن يكون فاتحة لأفكار ومبادرات أخرى تستهدف الوصول إلى الفئات الأشد فقرا في مجتمعاتنا . فليكن خطوة على الطريق الصحيح .. طريق التنمية التي تأخذ بيد الفقراء وتمكنهم من مساعدة أنفسهم .

وفقكم الله ،, والله يحفظكم ,,