من نحن

مؤتمر منظمة التجارة العالمية - الكويت

صحيح أن تباين الآراء ظاهرة صحية، ولا يفسد للود قضية ، ولكن لشدة اختلافنا لا نتفق حتى على هلال رمضان أو عيد الفطر، مع أن القمر واحد سواء في أفريقيا أو آسيا وغيرهما
11 ديسبمر 2020
كلمة صاحب السمو الملكي
الأمير طلال بن عبد العزيز
أمام مؤتمر الدول النامية ومنظمة التجارة العالمية (الواقع والتحديات المستقبلية)
الذي تنظمه كلية العلوم الإدارية بجامعة الكويت

الكويت
23 – 24 نوفمبر 2004م

بسم الله الرحمن الرحيم

معالي الأخ الدكتور رشيد حمد الحمد ، وزير التربية والتعليم ، ووزير التعليم العالي ، وممثل سمو الأخ الشيخ صباح الأحمد الصباح رئيس مجلس الوزراء ،,

سعادة الأخ الدكتور نادر الجلال ، مدير جامعة الكويت ،

سعادة الأخ الدكتور عادل عبد الله الحسينان عميد كلية العلوم الإدارية ,،

سعادة الأخ الدكتور أحمد منير نجار المشرف على وحدة منظمة التجارة العالمية بمركز التميز في الإدارة ,،

أصحاب المعالي و السعادة الوزراء والسفراء ,,

السيدات والسادة :

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ,,

صحيح أن تباين الآراء ظاهرة صحية، ولا يفسد للود قضية ، ولكن لشدة اختلافنا لا نتفق حتى على هلال رمضان أو عيد الفطر، مع أن القمر واحد سواء في أفريقيا أو آسيا وغيرهما . ولذلك فإن ما يدور حول منظمة التجارة العالمية لا ينفصل عن هذا الخلاف الذي أصبح متجذراً فينا.

يسرنا أن نرحب بكم جميعاً في حرم جامعة الكويت. ويجدر أن نشيد بهذا الصرح العلمي المجسد للتنوير ، والذي يعكس الفاعلية في التجاوب مع محيطه والتفاعل مع قضايا المجتمع والسعي الدؤوب لتوسيع زوايا النظر إليها وتعميق الرؤية حولها . وهذه العناصر والمقومات التي تشكل الأساس لريادة المؤسسة العلمية وحيويتها هي ما حفزتنا لقبول الرئاسة الشرفية لوحدة منظمة التجارة العالمية التي أنشأها مركز التميز في الإدارة بكلية العلوم الإدارية .

وهذا المؤتمر هو إحدى ثمرات المركز ونموذج للنشاط الخلاق في مواكبة التطورات السريعة التي يشهدها عالمنا وقضية الساعة المتمثلة في منظمة التجارة العالمية ومتطلبات الانضمام إليها والتعريف بكيفية الاستفادة من إيجابيات هذه المنظمة ودرء مضارها وسلبياتها أو الحد منها .

ولقد كانت الندوة التي نظمها المركز بعنوان (آثار اتفاقيات منظمة التجارة العالمية على الدول العربية) من البدايات الجيدة لطرح القضايا المثيرة للجدل المتصلة بهذه المنظمة التي لا مناص لجميع الدول من التمتع بعضويتها والدخول في عقدها، لأن عدم الانضمام هو – مع مرور الزمن – حكم بالعزلة بل في حقيقة الأمر يعني التقوقع والتهميش . وعملياً لا يمكن لدولة في عالم اليوم أن تعيش في عزلة.

ولكن بالرغم من سعي الدول حثيثاً للانضمام لمنظمة التجارة العالمية وتطبيق اشتراطاتها، فلا يزال بعد عقد من تأسيس المنظمة هناك مخاوف وهواجس تنتاب الدول النامية حول المستقبل الذي ينتظرها ، ولذلك جاءت هذه المبادرة المشتركة بين جامعة الكويت والبنك الإسلامي للتنمية للبحث في ما هو أبعد من الواقع في علاقة الدول النامية ومنظمة التجارة العالمية، والتنقيب في المستقبل وتحدياته.

السيدات والسادة :

لا شك أننا أمام حتمية ، وحقيقة لا ينكرها أو يجادل فيها إلا من كان مغمض العينين منغلق الذهن عما يجرى من حوله ، وهذه الحقيقة هي أن منظمة التجارة العالمية ماضية قدماً لتبلغ مداها وفق إعلان التأسيس الصادر في مراكش عام 1994 بمقتضى نتائج جولة أروغواي ، ولذلك فإن القدح في المنظمة بالانطلاق من نظرية المؤامرة أو التباري في إبراز سلبياتها ووصف قوانينها واتفاقياتها بأنها إملاء وفرض لشروط الأغنياء على الفقراء وانتصار للرأسمالية والامبريالية ولمقولات نهاية التاريخ ، هو في اعتقادنا تفريط لا يحقق الأهداف المرجوة. وعلى الجانب الآخر فإن تصوير ما تم خلال الجولات والمؤتمرات الوزارية على أنه المثال الذي يحتذى لضمان انسياب التجارة الدولية بحرية وبصورة يمكن استقراؤها هو إفراط يغيب حقائق واضحة ومهمة وبالتالي يعظم شكوك الفريق الأول .

وحتى لا نراوح في مكاننا بين مادح وقادح فلا بد أن ننطلق في رؤيتنا المستقبلية من أن الاتهامات التي يوجهها المناهضون للمنظمة أو الدفوعات التي يقدمها مؤيدوها ومناصروها ، لن تغير من حركة التاريخ، وأن علينا التأقلم مع البيئة التي أوجدتها المنظمة وتهيئة أنفسنا للواقع العالمي الذي تشكله . ولعل تنامي هذا الواقع الجديد يؤكده توسع عضوية المنظمة التي بلغت (148) دولة ، وهذا العدد يشكل ما نسبته نحو 92% من سكان العالم ، و97% من التجارة العالمية. وأكثر من ثلاثة أرباع هذه العضوية هم من الدول النامية.

السيدات والسادة :

لقد عقدت المنظمة حتى الآن خمسة مؤتمرات وزارية في أعقاب (إعلان مراكش) . وقد أحرزت هذه المؤتمرات خطوات محسوبة نحو تحرير التجارة العالمية . ولذلك لا يمكن الحكم على المنظمة فقط بالنظر إلى خيبات الأمل التي حدثت في كل من ) سياتل ( و ) كانكون ( . فمؤتمر سياتل قد لازمه الإخفاق من بداياته لأنه عقد في أجواء مشحونة بالتربص والتشبث بالمواقف المسبقة الخلافية، والتشكيك في مبادئ المنظمة ومصداقية الدول الغنية . و الفشل النسبي الذي حدث في (كانكون) هو نتيجة لما لمسته الدول النامية من أن مسارات المفاوضات في مجالات تحرير المنتجات الزراعية والاستثمار الخارجي وتجارة الخدمات لم تكن لتؤدى إلى خلاصات منصفة لها. ولا شك أن هذه القضايا تعد معضلة حقيقية ، فالدول النامية ترى أنها قدمت تنازلات تضر بمصالحها وتنذر بإحداث خلخلة خطيرة في مجتمعاتها وترفع معدلات الفقر فيها ، في الوقت الذي تنكص فيه الدول الغنية عن وعودها وتحاول تكريس نظرية البقاء للأقوى ، متخذة أساليب تمكنها من صوغ نظام تجارة عالمية يتوافق مع مصالحها ، وهي بذلك تسترد باليسار أضعاف ما تقدمه باليمين .

السيدات والسادة :

في اعتقادنا أن اللون القاتم في علاقة الدول النامية والغنية داخل المنظمة آخذ في التغير ، وهناك إجراءات لها انعكاساتها على الأرض من شأنها رفع أسهم الدول النامية وأرصدتها في منظمة التجارة العالمية ، وإتاحة دور أكبر لها في مسيرة المنظمة وتوجيه القضايا ذات المضامين المؤثرة في حياة شعوب الدول النامية . وإرهاصات الواقع الجديد الذي تنبئ به تلك الخطوات تتضح من خلال التطورات التالية :

الجهود التي بذلت لتدارك إخفاقات (سياتل) وتجاوزها من خلال امتصاص غضب الدول النامية وإحساسها بالظلم عبر التوصل في (الدوحة) إلى أجندة للتنمية ومكافحة الفقر .

إقرار ملف أدوية الفقراء والتوصل في ) كانكون ( لاتفاق يسمح للدول النامية بصنع أو استيراد أدوية بديلة لمعالجة انتشار أمراض خطيرة دون الالتزام بحقوق الملكية الفكرية .

الخطوة التي اتخذتها الوكالات الست الرئيسة للإطار المتكامل بتأكيد التزامها بمساعدة الدول الأقل نمواً على الاندماج الفعال في النظام التجاري متعدد الأطراف، وقد صدر هذا الإعلان عن الاجتماع الذي عقده بواشنطن في يوليو 2003 ممثلو كل من صندوق النقد الدولي ، مركز التجارة العالمي ، البنك الدولي، مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية ، برنامج الأمم المتحدة للتنمية ، منظمة التجارة العالمية .

سعي منظمة التجارة العالمية إلى إيجاد تصنيف جديد للدول النامية يمكن هذه الدول من الاستفادة الفعلية من مزايا المنظمة . ويدعو المقترح إلى إيجاد ثلاثة تصنيفات للدول النامية ، وهي : الدول الأقل نمواً ، والدول ذات الدخل المتوسط المنخفض ، والدول ذات الدخل المتوسط المرتفع .

إحراز إطار العمل المسمى (حزمة يوليو) ، الذي تم التوصل إليه في جنيف حيث وافقت الدول المتقدمة على العمل لإلغاء أشكال دعم الصادرات الزراعية وإجراء تخفيضات جوهرية للدعم المحلي للزراعة ، وكذلك حدوث تطورات مهمة في قضية مزارعي القطن المثارة بين الولايات المتحدة وبعض الدول النامية.

السيدات والسادة :

معظم الذين يحيطون بالشكوك اتفاقات التبادل التجاري التي تتم في إطار منظمة التجارة العالمية ، يقولون باستحالة وصول الدول النامية إلى حد منافسة السلع المنتجة في البلدان المتقدمة ، بالنظر إلى البون الشاسع بينها وبين منتجات الدول النامية ، نتيجة تراكمات الدعم الذي تلقته قطاعات الصناعة والزراعة والخدمات في تلك البلدان على امتداد عقود طويلة، وبالرغم من وجاهة بعض هذه الأقوال إلا إننا ندعو إلى ضرورة التطلع إلى بصيص الضوء في نهاية النفق ، ولذلك نرى أن هذه الاتفاقات يمكن أن تصبح على المدى الطويل والمتوسط عوامل قوية للتطوير والتوسع النوعي والكمي للإنتاج المحلي والخدمات في الدول النامية .

و لكن تفاؤلنا بمستقبل السلع التي تنتجها الدول النامية ليس على إطلاقه، بل هو مرهون بشرط اتخاذ التدابير المدروسة التي تشجع المنتجين على الاستفادة من التحولات الجديدة . وهذه الرؤية التفاؤلية لمسناها أيضاً في موقف البنك الدولي، حيث أعلن أن إطار عمل ( حزمة يوليو) إذا وجد طريقه للتنفيذ فسيضيف مبلغ 520 مليار دولار إلى الاقتصاد العالمي بحلول العام 2015م ، وستصب غالبية هذه المبالغ في الدول الفقيرة . ويكفي اتفاقات المنظمة فائدة أن تحقق التكامل المفقود بين الدول النامية وترفع التبادل التجاري المتدني بين دول متقاربة من حيث الجغرافيا والتاريخ، متباعدة تجارياً. وخير مثال لذلك الدول العربية.

وبالعودة إلى الخطوات التي أشرنا إليها حول مستقبل إسهام الدول النامية في ترتيبات التجارة الدولية فإن ترسيخ هذه الخطوات لتصبح توجهاً وتياراً عاماً يتطلب أن تقوم العلاقة بين المنظمة ومجموعة الدول النامية على فهم واقعي يستمد مقوماته من المبادئ الخمس الرئيسة التي أسست عليها المنظمة، وهي : مبدأ عدم التمييز، ومبدأ الشفافية ، ومبدأ المفاوضات التجارية ، ومبدأ المعاملة التفضيلية، ومبدأ التبادلية. فهذه المبادئ ليست مثالية، ولكنها آليات عمل ووسائل قابلة للتطبيق في إطار التفاوض والتنازلات المتبادلة ، والمعرفة بهذه المبادئ على وجهها السليم هي البداية الصحيحة لاستفادة الدول النامية منها والتوافق مع متطلباتها والوفاء بها بما يحقق الاندماج في المنظومة ولا يضر بالمصالح الوطنية.

- من هنا فالدول النامية وهي تستقبل المؤتمر الوزاري السادس للمنظمة الذي يعقد في هونج كونج ديسمبر 2005 مطالبة بأن تكون على درجة عالية من الوعي والاستفادة من التجارب السابقة وذلك بالاستناد إلى مرئيات نوردها في التالي:

أولاً : توافر الإرادة السياسية التي توازن بين المصالح ببعد نظر واستحضار المستقبل بكل تجلياته وتغيرات الألفية الثالثة.

ثانياً : توفير الطاقات البشرية المدربة التي تستطيع التعامل مع حقائق النظام الاقتصادي الذي نجم عن ظهور منظمة التجارة العالمية.

ثالثاً : الاستفادة القصوى من مبادئ المنظمة ونصوص قوانينها وأحكامها والآليات التي توفرها ، ومن ذلك الدورات التخصصية التي تعقدها المنظمة لتزويد الدول النامية بالفرص المعززة لتنمية مهارات التفاوض .

رابعاً : توظيف الترتيبات الإقليمية والتكتلات الاقتصادية التي تشارك فيها الدول النامية والدخول في اتفاقات مع المنظمة لتلقي المساعدة الفنية على غرار مذكرة التفاهم التي وقعت في (كانكون) بين المنظمة ومجموعة بلدان أفريقيا والكاريبي والباسفيك.

خامساً : التعاون بين الدول النامية لتنسيق مواقفها بما يدعم قدراتها التفاوضية التساومية ويعزز مساعيها في إدراج مصالحها وسلعها الحيوية على جدول أعمال التجارة، كالنفط مثلاً بالنسبة للدول النامية التي تنتج هذه السلعة الاستراتيجية.

سادساً : الاستيعاب الجيد لأسلوب عمل جهاز تسوية المنازعات الذي أقامته المنظمة، وذلك للاستفادة منه في الخلافات التي تثور في مراحل التفاوض أو حول تنفيذ نصوص الاتفاقيات .

لا بد هنا أن نلفت إلى الخطوة المهمة التي اتخذتها الدول النامية المنضوية في المنظمة بإنشاء مركز مستقل متخصص في المساعدة على التعامل مع آلية تسوية المنازعات وتدريب الطاقات البشرية على الدفاع عن حقوق دولها ، ودعم هذا المركز من شأنه أن يوفر الحماية الذاتية للدول النامية. و آلية تسوية المنازعات تشهد نشاطاً مكثفاً ، ومما يجدر الإشارة إليه أن الدول النامية تقدمت فقط منذ العام 2000 ميلادي بما يقدر بستين في المائة من شكاوى النزاعات التي تلقتها المنظمة ، وقد بلغت قضايا النزاعات المطروحة 301 نزاعاً حتى العام الماضي. ويلفت القائمون على المنظمة إلى أن هذا العدد يماثل عدد النزاعات التي تلقتها (الجات) خلال عمرها الذي امتد نصف قرن ، وهم يرون أن هذا العدد الكبير من النزاعات التي بحثتها آلية التسوية خلال مدة لا تتجاوز عشر سنوات مؤشر عن ثقة الأعضاء فيها .

هذه المرئيات ، أيها السيدات والسادة بعض ما رغبنا في أن نلفت إليه مؤتمركم ، ونحن على قناعة من أن مداولاتكم بما تحظى به من مشاركة نوعية من الخبراء وأهل الاختصاص سوف تسهم في إغناء محاور المؤتمر، وتجلية الغموض الذي يكتنف كثيراً من القضايا التي تثار في جولات المفاوضات الخاصة بالمنظمة ولا سيما القضايا الشائكة التي تشكل جذر المشكلات وبواعث القلق لدى الدول النامية ، وبذلك تعالج ما هو أعمق وابعد تأثيراً في التحديات التي تواجه علاقة الدول النامية ومنظمة التجارة العالمية .

نرجو الله أن يكلل مساعينا جميعاً بالتوفيق والنجاح ,,

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ,,